خواطر جزائرية .. الجدار ليس ألمانياً

28 يونيو 2014

جزائري مبتهج بفريق بلاده بعد المباراة مع روسيا (Getty)

+ الخط -

الحكاية ذاتها في كل بطولة لكأس العالم لكرة القدم. يخرج منتخب ما من "اللاشيء"، ويصبح حكاية الدورة. فاز أو خسر. لكنه يترك بصمته، منتخباً تُخلّده نسخة من نسخ كؤوس العالم. هذه المرة كان الدور للعرب، للمنتخب الجزائري الذي نجا من مجموعة قوية كروياً، في بطولة العالم لعام 2014، وتأهل لمواصلة مشواره في البطولة ولمواجهة ألمانيا، في دور الـ 16.
ليست المرة الأولى، التي تواجه فيها الجزائر ألمانيا، فبطولة عام 1982 شاهدة على أعظم الإنجازات الكروية لمنتخب عربي، حين فازت الجزائر على ألمانيا الغربية (2-1). الحكاية ليست هنا، بل فيما حدث منذ 1982 إلى اليوم. فبعد 32 عاماً، على تلك المباراة، أين أصبحت الجزائر، وأين أصبحت ألمانيا؟
قبل 32 عاماً، كانت ألمانيا الغربية مجرّد دولة تتطلّع اليها شقيقتها الشرقية، لنجدتها من مأزق اقتصادي تتخبّط فيه، شأن معظم دول الكتلة الشرقية، في تلك الفترة العصيبة من ثمانينيات القرن العشرين. كان هذا الجدار يمنع الحراك، ويمنع الأحلام ويقتل الحريات. جدار برلين، احتاج الألمان إلى تحطيمه، فحطّموه. وتحوّلت الأحلام والأوهام إلى واقع. ألمانيا تعود، وتنصب نفسها حارسة الأزمة الاقتصادية الأوروبية، وتهبّ لنجدة بلدان القارة العجوز من الركود الاقتصادي. تعود تلك البلاد إلى لعب دورها المحوري في وسط أوروبا، حتى وصلت، اليوم، إلى أن تكون الدولة التي يُمكنها مفاوضة الغرب والشرق، من أزمة أوكرانيا إلى الديون اليونانية، بعد أن كانت الدولة التي خاضت حربين عالميتين، دمّرتا نصف الكرة الأرضية. تحطّم الجدار، فتحطّمت العوائق، التي منعت ألمانيا من النمو والتقدّم.
قبل 32 عاماً، كانت الجزائر صورة عن معظم الدول العربية. نظام يتمسّك بالحكم، على الرغم من ماضي البلاد المُشرق في محاربة الاستعمار الفرنسي. نظام يمنع التحوّلات الديمقراطية من سلوك طريقها إلى العلن. يقمعها، وتغوص البلاد في أتّون حربٍ ضروس، لم تنته منها، سوى على حكم "أزليّ" آخر، ليبني جداراً آخر.
في ألمانيا، ليس من كلام رسمي رافضٍ حقوق المتحدرين من أصول مهاجرة، تركية أو عربية أو غيرهما. الجميع انخرط في نظام داخل الدولة مبني على الولاء لألمانيا أولاً. ألمانيا الحقوق والواجبات. أما في الجزائر، فعدا عن ضرورة "التمسك بأشكال ديمقراطية فقط، لا في تطبيقها"، يحصل البربر (الأمازيغ) على جزءٍ بسيط من حقوقهم، بعد انتفاضات واحتجاجات وثورات.
أرادت ألمانيا الانتقام من ماضيها مرة واحدة، فحطّمت جدار برلين، والجدران العنصرية والثقافية، على الأقلّ في النصوص والتشريعات. وصورة منتخبها، متنوّع الإثنيات، يجعل الزعيم النازي، أدولف هتلر، يتلوّى في قبره. أما الجزائر، فإن الجدار الذي تبنيه كل مرة، على أنقاض جدار آخر، يعرقل مسيرة التاريخ، على الرغم من عدم القدرة على إيقافها.
حين وقف لاعبو الجزائر، في مباراتهم مع روسيا، وهم يُنشدون "وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر"، ربما لم يفكروا كيف ستكون الحال عليه، حين يلتقي لاعبو الجيل الآتي منهم، مع ألمانيا بعد 32 عاماً، في كأس عالم آخر. هذا حقّهم، وحقّنا، في ألّا نفكّر. لكن الألمان سيفكّرون، كما فكّروا سابقاً. وربما علينا، نحن العرب، البدء بالتفكير فيما نريد بعد 32 عاماً. حينها نحطّم الجدار.

 

6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".