خطر طالبان .. هل جاء دور الصين؟
مع نهاية شهر أغسطس/ آب الجاري، يكتمل انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان. وباتخاذه هذا القرار، يبدو الرئيس جو بايدن منسجما مع ما يطلبه الجمهور الأميركي، فهناك ما يشبه الإجماع الشعبي في الولايات المتحدة على مغادرة هذا البلد بعد عشرين عاما من بدء الحملة الأميركية عليه التي تكلفت أموالا طائلة، وحياة جنود أميركيين كثيرين...
تدرك إدارة بايدن أن الحكومة في كابول، والتي كانت تحظى برعاية أميركية تامة، هي في منتهى الضعف، ولن تصمد كثيرا بعد أن يغادر آخر جندي أميركي، فلم تفلح السياسة الأميركية في أفغانستان في محو ثقافة حركة طالبان، وتأكدت من ذلك منذ وقت بعيد، فبدأت مفاوضات طويلة مع قادة الحركة التي تبدو في وضع تعبوي جيد، وهي تعد العدة لإعادة سيطرتها وملء الفراغ الذي سيظهر بعد مغادرة القوات الأميركية..
لا يبدو أن أميركا قد استطاعت أن تغير شيئا في قواعد اللعبة في أفغانستان التي دخلتها قوات جورج بوش الابن قبل عشرين عاما لكسرها، لكن ما كان موجودا ما زال، وربما بشكل أكثر حدّة، وقوات "طالبان" تسيطر اليوم على معظم الريف الأفغاني، وتضع يدها على كثير من المعابر الحدودية، وعينها على الحواضر المدنية الكبيرة.
يذكّر الخروج الأميركي تحت ضغط الشارع بالخروج السوفياتي من أفغانستان نهاية الثمانينيات، بعدما تكبّد الجيش الأحمر خسائر فادحة، وكان يحتل البلد برمته، ومطمئنا لحكومةٍ تتبنّى الفكر الشيوعي على الطريقة اللينينة في بلد إسلامي! ولكن وبصورة مفاجئة غادرت القوات السوفياتية، عندما بدأت الشيوعية مراجعة ذاتها وقدراتها، وتركت البلاد ممزّقة بين أيدي المليشيات المتصارعة، والتي تلقى رعايات وتمويلا من بلدان مجاورة. ولم يطل الأمر حتى استولت "طالبان" على معظم أرجاء البلاد، لتقيم عليها دولتها الإسلامية، بالصورة الفضفاضة، من دون أن يكون هناك منهج مدروس يحرّكها، وأسلوب اقتصادي يرعى قدراتها وثرواتها الذاتية، فتعطلت التنمية لصالح فقه الجهاد الذي أوصل البلاد، في نهاية المطاف، إلى الوقوع تحت الاحتلال الأميركي، بعد تحالف جهادي وثيق بين "طالبان" وتنظيم القاعدة.
لن يطول الأمر، حتى تعود حركة طالبان إلى المركز الذي كانت تشغله قبل قدوم الجيش الأميركي، ولكن بعض المتغيرات قد طاولت الجبهة الأفغانية، فقد اختفى بن لادن عن الساحة الجهادية العالمية، وبات لتنظيم القاعدة منافس جدي وخطير، هو تنظيم الدولة الإسلامية الذي وجد له موطئ قدم في أفغانستان، وسيطل برأسه قريبا ليعلن عن وجوده المسلح.
شهدت فترة العشرين عاما الماضية تبنيا روسياً لمعظم الإرث السوفياتي، من دون أن يعني ذلك أن لدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين القدرة على العودة إلى أفغانستان، فنجده يزيد من محاولاته التقارب مع الصين، والحصول على تعاطفها معه في معاركه الدولية، ولكن التوجه الراديكالي للقوى الصاعدة في أفغانستان كافٍ ليقلق روسيا، ويحرج الصين، وهي بلد يضطهد الأقليات المسلمة.
تتخلص الولايات المتحدة اليوم من مأزقها العسكري الذي دام طويلا، ولا تبدو متأثرة كثيرا بعودة "طالبان" وتمدّدها، على الرغم من الطلعات الجوية التي تقوم بها بين فترة وأخرى، لتحدّ من تقدّم "طالبان" نحو المدن الأفغانية، فوجود قوى راديكالية في أفغانستان يشكل مصدر قلق لخصومها الروس والصينيين، وقد يشكل هذا البلد المليء بالسلاح والمسلحين قاعدة لانطلاق هجماتٍ على الأراضي الصينية، أو على مصالح تحد من توسع مشاريع الصين المتعاظمة في المنطقة. ولا بد أن الصين قد أدركت، منذ مدة، أنها من الممكن أن تواجه وضعا كهذا، فحاولت فتح حوارات مع قادة "طالبان"، من دون أن تصل إلى نتائج تتعدّى تبادل وجهات النظر. لذلك يبدو الخروج الأميركي، وبالتالي تمدّد "طالبان"، مأزقا تكتيكيا، على الصين بشكل خاص أن تفكّر بطريقة للخروج منه.