حين تجتمع المعارضة التركية ضد أردوغان

20 فبراير 2022

(أنس يمان)

+ الخط -

تنشغل الساحة السياسية التركية، ومعها الشارع التركي، منذ فترة ليست قصيرة، بالجدل والمماحكات الدائرة بشأن الانتخابات التركية، البرلمانية والرئاسية، المقرّر أن تجرى بشكل متزامن في 24 يونيو/ حزيران 2023، وذلك في ضوء زيادة وتيرة الحراك السياسي والزيارات واللقاءات المتبادلة بين قادة أحزاب كل من تحالف "الجمهور" الحاكم، بقيادة حزب العدالة والتنمية، وتحالف "الشعب" المعارض، بقيادة حزب الشعب الجمهوري.

ولعلّ أبرز مستجدّات الحراك السياسي جسّدته الصورة التي التقطت، وانتشرت على نطاق واسع، لاجتماعٍ هو الأول من نوعه في تركيا، وضم زعماء ستة أحزاب في المعارضة، جلسوا حول طاولة مستديرة، وهم زعيم حزب الشعب الجمهوري، كمال كلجدار أوغلو، وزعيمة الحزب الجيد، ميرال أكشينار، إضافة إلى زعيم حزب المستقبل، أحمد داود أوغلو، وزعيم حزب الديمقراطية والتقدّم، علي باباجان، وزعيم الحزب الديمقراطي، غولتكين أويصال، وزعيم حزب السعادة، تمل كرامولا أوغلو.

واعتبر البيان الصادر عن الاجتماع أنّ زعماء الأحزاب الستة اجتمعوا في "يوم تاريخي" من أجل "إجراء دراسة تاريخية تأمل تركيا في رؤيتها لسنوات" كونها تمرّ بـ"إحدى أكبر أزماتها السياسية والاقتصادية في تاريخها"، و"اتفقوا على نصٍّ للنظام البرلماني المعزّز بهدف تقوية السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وتأسيس دولة الحقوق والديمقراطية، بعد جهود مكثفة، بعيداً عن القطبية، واعتماداً على التشاور والتوافق"، مع التأكيد على توصلهم إلى خريطة طريق، سيتم الإعلان عنها في 28 فبراير/ شباط الجاري، وتهدف إلى وضع خطوات للانتقال من النظام الرئاسي المعمول به حالياً إلى نظام برلماني، في حال فوز المعارضة بالانتخابات المقبلة.

وعلى الرغم من أنّ الاجتماع لم يعلن عن تحالف انتخابي بين الأحزاب الستة، وربما يتحوّل إلى ذلك في المرحلة المقبلة، فقد توّج جهوداً حثيثة بذلتها أحزاب المعارضة خلال الأشهر الماضية، وشملت سلسلة من اللقاءات والاجتماعات الثنائية والثلاثية التي عقدها قادتها، من أجل توحيد موقف المعارضة، بالرغم من خلافاتها الإيديولوجية والفكرية والسياسية، وذلك كي تتمكن من الوقوف ضد التحالف الحاكم، خصوصاً ضد الرئيس رجب طيب أردوغان، في الانتخابات المقبلة، إضافة إلى توحيد أهدافها ومحورتها حول إسقاط النظام الرئاسي، بوصفه السبب الأساسي في بروز الأزمات والمشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تواجه تركيا في المرحلة الراهنة، لذلك ركز بيان قادة أحزابها الستة على سعيهم نحو "تأسيس نظام قوي، عادل وديمقراطي ويضمن الحريات، ويتمّ فيه الفصل بين السلطات، من خلال سلطة تشريعية فاعلة وتشاركية، وتنفيذية شفافة وخاضعة للمحاسبة، وقضائية محايدة ومستقلة".

تشكل الانتخابات المقبلة محطة هامة في تاريخ تركيا، كونها ستقرّر ما إذا كان النظام الرئاسي سيستمر فيها، أو أنها ستشهد عودة جديدة إلى النظام البرلماني

ونظراً إلى أن الانتخابات المقبلة ستكون مختلفة عن سابقاتها، كونها تمتلك أهمية حاسمة بالنسبة للمجتمع التركي ولمستقبل تركيا، فإنه، ليس مستغرباً أن تبدأ، وبشكل مبكر، مختلف الأحزاب والقوى السياسية التركية تحضيراتها للانتخابات المقبلة، حيث بدأت جميعها، ومنذ أكثر من عام، بحشد كل طاقاتها واستنفار كوادرها وأنصارها، وراحت تركّز على أن الانتخابات المقبلة ستشكل محطة هامة في تاريخ تركيا، كونها ستقرّر ما إذا كان النظام الرئاسي سيستمر فيها، أو أنها ستشهد عودة جديدة إلى النظام البرلماني، وإنْ بصيغة معزّزة، أو بالأحرى معدّلة، مثلما تقترحه المعارضة.

وبات النظام الرئاسي، منذ إقراره في استفتاء أجري في 16 إبريل/ نيسان عام 2017، محطّ استقطابٍ شديد في الأوساط السياسية التركية، حيث يراه التحالف الحاكم النظام الأمثل لتركيا، بينما تراه أحزاب المعارضة تكريسا لحكم الفرد وسلطته، ولا يصلح كنظام سياسي لتركيا. وبالتالي، شكّل اجتماع قادة أحزابها الستة حدثاً غير مسبوق في تركيا، كونه وحّد معظم أحزاب المعارضة حول هدف مشترك، تمثّل في رفض النظام الرئاسي القائم حالياً، والسعي إلى العودة إلى النظام البرلماني، معوّلة في ذلك على إقناع الناخب التركي من أجل فوزها بالانتخابات، لأن تحقيق هذا الهدف يتطلب حصولها على 360 مقعداً، على الأقل، في البرلمان المقبل، اللازمة من أجل تغيير النظام الرئاسي دستورياً.

ويشكل الاستقطاب بشأن طبيعة النظام السياسي التركي محور تجاذبات ومماحكات ما بين أحزاب التحالف الحاكم وأحزب المعارضة، وهو في جوهره استقطابٌ ما بين مؤيدين لحكم الرئيس أردوغان ورافضين له. لذلك تسعى أحزاب المعارضة إلى التوافق على مرشّح موحد من أجل خوض الانتخابات الرئاسية في مواجهة أردوغان، بوصفه مرشّح تحالف الجمهور الحاكم، ولكن يبدو أنه لا يلوح في الأفق القريب أي اتفاق بينهما على مرشح رئاسي، في ظل الحديث عن رغبة رئيس حزب الشعب الجمهوري، كمال كلجدار أوغلو، في الترشّح، إضافة إلى اسم رئيس بلدية إسطنبول الكبرى، أكرم إمام أوغلو، الذي يحمل عضوية الحزب نفسه، فضلاً عن تردّد اسم الرئيس الأسبق، عبد الله غل، وغيره من الأسماء، الأمر الذي يفسّر أن اجتماع قادة أحزاب المعارضة الستة لم يتطرّق إلى مرشّح توافقي للرئاسة، وذلك لصالح التمسّك بأهداف جامعة. والأهم أنّ على أحزاب المعارضة إقناع الناخب التركي بأنها تشكل البديل المناسب، الذي لن يتسبب في حدوث حالة من عدم الاستقرار بعد وصولها إلى السلطة.

تتضارب نتائج استطلاعات الرأي التي تنشرها مراكز الأبحاث التركية، لآراء الناخبين بشأن الوضع العام

واللافت، بل والمستغرب لدى بعض الأوساط السياسية التركية، غياب "حزب الشعوب الديمقراطي" الكردي عن اجتماع قادة أحزاب المعارضة، والذي أثار جدلاً بشأن أسباب الغياب، خصوصا بعد تلميح بعض مسؤولي هذا الحزب إلى نيتهم تشكيل "تحالف ثالث" بمفردهم، الأمر الذي دفع زعيم حزب الشعب الجمهوري إلى القول إنهم "لا يتجاهلون حزب الشعوب"، وإنهم لو فعلوا ذلك سيظهرون أنهم لا يؤمنون بالديمقراطية، لكن الواضح أن لدى بعض قادة الأحزاب الستة تحفظا حيال إشراك حزب الشعوب الديمقراطي، ولا يريدون الظهور جنباً إلى جنب مع قادته، خصوصاً أنّ اتهامات حكومية وجهت إليه بوجود صلاتٍ له مع حزب العمال الكردستاني، المصنّف على قوائم الإرهاب في تركيا، إضافة إلى أنّ هذا الحزب يواجه دعوى قضائية من أجل إغلاقه وحلّه، وذلك بعد مصادقة المحكمة الدستورية العليا في تركيا على لائحة الاتهام التي قدّمها المدّعي العام ضده قبل أشهر.

الوقت مبكّر للتكهن بما ستؤول إليه الانتخابات التركية المقبلة، على الرغم من تضارب نتائج استطلاعات الرأي التي تنشرها مراكز الأبحاث التركية، لآراء الناخبين ووجهات نظرهم بشأن الوضع العام، حيث يعوّل حزب العدالة والتنمية على إرث كبير من الإنجازات الاقتصادية والاجتماعية التي حققها في السنوات السابقة، فيما تعوّل المعارضة على تراجع الأوضاع المعيشية للأتراك في الآونة الأخيرة، من أجل استمالة أصوات الناخبين، لكن الأمر يتوقف على اعتبارات وعوامل عديدة، أهمها طبيعة التحالفات السياسية التي ستشهدها تركيا في المرحلة المقبلة، وعلى تطوّر الأوضاع الاقتصادية والمعيشية التي تمسّ حياة الناخبين الأتراك.

5BB650EA-E08F-4F79-8739-D0B95F96F3E1
عمر كوش

كاتب وباحث سوري، من مؤلفاته "أقلمة المفاهيم: تحولات المفهوم في ارتحاله"، "الامبراطورية الجديدة: تغاير المفاهيم واختلاف الحقوق".