"حلّاق" صفقة القرن
"أقترح إخلاء شمال سيناء من السكان وكل من يوجد في المنطقة بعد ذلك يقتل من دون سؤاله عن اسمه". و"إذا كان كل ما سبق لا يكفي فأنا أقترح أن تدخل مصر من جديد قطاع غزة بموافقة الولايات المتحدة ليعود تحت إدارة السلطة الوطنية". و"هذا الحل يفيد إسرائيل، لأنه يمنع إطلاق الصواريخ عليها من القطاع أو حفر الأنفاق".
لم أفهم بالتحديد ماذا يريد جهاد الخازن: فائدة إسرائيل، أم مساعدة الجنرال الفاشل في مصر، أم رضا دونالد ترامب؟
أم أن لديه أزمة نفسية مع سيناء تشبه تلك العقدة التي لازمت السفاح إسحاق رابين، بشأن غزة، فكان حلمه أن ينام ويصحو، فيجد غزة قد ابتلعها البحر وامّحت من فوق الخريطة؟
لا يقول لنا التاريخ إن جهاد الخازن كان محارباً في جيش الاحتلال الصهيوني، وفقد عزيزاً عليه على أرض سيناء في حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973. وبالتالي، لا نعرف سر كراهيته المستحكمة لأرض سيناء التي يريد حرقها، ولمواطن سيناء الذي يطالب بطرده وإبعاده، وقتله من دون سؤاله عن اسمه!
لا نعرف، كذلك، عن جهاد الخازن أن لديه استثمارات معطلة في شبه جزيرة سيناء، ومن ثم يريد تمكينه من أراضيها، بعد إخلائها من سكانها.
كل ما نعرفه عن جهاد الخازن أنه قضى عمره الطويل متنقلاً بخفةٍ من ديوان إلى ديوان، يؤدي أدواراً متعددة، يغزل الحكايات بما يرضي الغرور ويوفر إحساساً زائفاً بالأناقة والوسامة. هذه الوضعية البائسة والباعثة على الملل والرتابة ربما هي السبب في دفع جهاد الخازن إلى بيع البضاعة ذاتها أكثر من مرة، وبالمواصفات نفسها، لأكثر من زبون، وربما للزبون الواحد، هل هو النسيان في أرذل العمر أم هو الرهان على أن ذاكرة المستبدين لا تسعفهم، أو تخونهم، كلما وقف أمامهم مطربٌ أو مهرّج يشنف آذانهم بما يحبون سماعه؟!
قد يكون هذا هو التفسير الوحيد لإقدام جهاد الخازن بمقاله أول من أمس على إعادة بيع بضاعته، المبيعة سابقاً، للزبون نفسه، إذ سبق له أن هرول إلى القاهرة في زفة الاحتفالات الصاخبة بتفريعة قناة السويس، قبل أكثر من عامين، ليحيي حفلاتٍ تلفزيونية، ويتنقل بين الأستوديهات برشاقة.
وقتها، وصل الشخص الذي يتقن وظيفة "حلاق الديكتاتوريات" بعدّته كاملة، قبيل حفلة عيد ميلاد الحفرة، ليطلّ على المصريين، عبر شاشات التلفاز، معلناً أن "السيسي يسير في الطريق الصحيح"، ويقدم وصلاتٍ معتبرة من فنون تدليك الزعامات، من دون تطويرٍ أو تغيير، عما كان يقدمه مع حسني مبارك، وضاعت منه فرصة تقديمه مع الجنرال أحمد شفيق، ويعلن بالكلمات ذاتها في إبريل/ نيسان 2015 "عندي اقتراح للرئيس السيسي: لماذا لا يأمر بتفريغ شمال سيناء (شبه الخالي) من السكان؟"، و"كل مَنْ يبقى في سيناء بعد موعد محدّد معلن يُقتَل من دون أن يُسأل عن هويته، أو ماذا يفعل في منطقة محظورة".
ما الجديد الذي يقدّمه جهاد الخازن، بعد عامين، سوى أنه صار من الجرأة بحيث يعلن صراحةً تضمين اقتراحه تحقيق الفائدة لإسرائيل، واعتبار واشنطن هي صاحبة الحل والعقد في سيناء، وسائر الخرائط العربية؟
الجديد أيضاً أنه يسعى إلى ترويج البضاعة القديمة في سوقٍ دولية أكبر، مستغلاً الفرص الواعدة في مشروع "صفقة القرن"، بحيث يكون المخاطب بها في المقام الأول هو دونالد ترامب، يليه بنيامين نتنياهو، وبالتبعية عبد الفتاح السيسي.