حقبة صينية جديدة

17 مارس 2023

(Getty)

+ الخط -

فاجأت الوساطة الصينية بين السعودية وإيران كثراً، ليس من بينهم طبعاً صناع القرار في الدول الكبرى، أقله بحسب ما تفيد تسريباتٌ تتوالى من مسؤولين سعوديين وإيرانيين عن كواليس الاتفاق، إذ أبلغت الرياض واشنطن قبل سفر الوفد السعودي إلى بكين، وتولّى أمين عام المجلس القومي الإيراني، علي شمخاني، إطلاع موسكو على الموضوع. وإذا كانت التحليلات تتركّز على مدى إمكانية صمود الاتفاق بين الرياض وطهران، والدور الذي يمكن أن تؤدّيه بكين لمنع انهياره في ظل تنامي علاقتها مع الطرفين، واحتفاظها بأوراق تأثير وضغط، فإن تساؤلاتٍ أخرى تتعلق بمرحلة ما بعد الاتفاق، وتحديداً دور الصين، على الصعيد العالمي في الفترة المقبلة.

ليس ما جرى معزولاً عن تبدل مقاربة الصين، إن في ما يتعلق بالتعاطي مع الملفات/ الأزمات السياسية الدولية، أو بمدى رغبة بكين في الانخراط بها. انتقلت الصين، في السنوات الأخيرة، من التركيز على توسيع النفوذ الاقتصادي فقط إلى محاولة مراكمة النفوذ السياسي أيضاً. لم يكن الوصول إلى هذا الوضع سهلاً لولا سلسلة من التحولات الداخلية في الصين من جهة، والتراجع في دور الولايات المتحدة في أكثر من منطقة أيضاً.

الصين اليوم هي ثاني أكبر اقتصاد في العالم، مع ما يعنيه ذلك من دور في التجارة الدولية والاستثمارات والقروض، ناهيك عن مبادرة "الحزام والطريق"، وما تتضمّنه من مشاريع للسكك الحديد والموانئ والطرق السريعة، وحتى الطاقة، في نطاق واسع يمتد من الصين إلى غرب آسيا وأوروبا. ولذلك ركّزت الصين على الاستثمار في البنى التحتية في عشرات الدول الواقعة ضمن مخطط "الحزام والطريق"، في موازاة تعزيز علاقاتها السياسية في محاولةٍ لتطبيق هذه الرؤية.

التحرّكات الصينية في الآونة الأخيرة، سواء في ما يتعلق بملف التقارب بين الرياض وطهران، أو بالمبادرة التي اقترحتها بكين بشأن الملف الأوكراني، وزيارة الرئيس شي جين بينغ المرتقبة إلى موسكو، وحديثه المنتظر مع الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، تدلّ على أن الرئيس الصيني، الذي لم يُخف طوال أكثر من عقد طموحاته في نيل زعامة دولية تقارع الولايات المتحدة، قد انتقل من مرحلة التعبير عن طموحاته إلى محاولة تطبيق ما أمكن منها على أرض الواقع. ولذلك، لم يكن مستغرباً أن يترافق الاختراق الصيني والإعلان عن الاتفاق السعودي الإيراني من بكين مع تكريس شي نفسه زعيماً أوحدَ للصين بعد انتخابه لولاية ثالثة أخيراً، وكأنه إيذان بحقبة صينية جديدة بقيادة شي.

يمكن لمن يتصفّح وكالة الأنباء الصينية (شينخوا) بين حين وآخر أن يلاحظ عدد التقارير عن أهمية العلاقة بين الصين والعالم، وكيف يركز شي تحديداً على تقديم مقاربةٍ مختلفةٍ للعلاقات الدولية والنظام العالمي عما هو سائد حالياً، بما في ذلك قوله الأربعاء الماضي، خلال لقائه افتراضيا نحو 500 من قادة الأحزاب والمنظمات السياسية من أكثر من 150 دولة لمناقشة فكرة "الطريق نحو التحديث: مسؤولية الأحزاب السياسية"، إن "الصين، في سعيها إلى التحديث، لن تسلك طريق الاستعمار والنهب، ولا المسار الملتوي الذي سلكته بعض الدول للسعي إلى الهيمنة بمجرّد أن تصبح قوية"، قبل أن يقترح ما سمّاها "مبادرة الحضارة العالمية".

وإذا كانت بكين تمتلك رؤية واضحة لأهدافها للمرحلة المقبلة، إلا أنها تعي أيضاً أن تحقيقها لن يكون سهلاً. يثير تصاعد النفوذ السياسي للصين مخاوف ليس فقط الولايات المتحدة أو حتى أوروبا، بل أيضاً روسيا، فكل اتساع للدور الصيني على الصعيد العالمي يعني عملياً قضماً من نفوذ الأطراف الأخرى المهيمنة.

جمانة فرحات
جمانة فرحات
صحافية لبنانية. رئيسة القسم السياسي في "العربي الجديد". عملت في عدة صحف ومواقع ودوريات لبنانية وعربية تعنى بالعلاقات الدولية وشؤون اللاجئين في المنطقة العربية.