02 نوفمبر 2024
حضن الوطن وحضن النظام
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
خطر لي أن أسجل موقفا ضد القصف الأميركي للجيش السوري النظامي، قرب مطار دير الزور العسكري، مساء السبت الماضي، وراح ضحيته قرابة مائة بين قتيل وجريح من الجنود السوريين. وردني الخاطر على نحو عفوي، حين لمست نوعا من التشفّي بالضربة التي ألحقها الأميركيون بعسكر سوريين في صفوف الجيش النظامي. وقد تكرّر الشعور نفسه عدة مرات، على إثر كل عملية عسكرية إسرائيلية ضد الجيش السوري النظامي.
وجدت نفسي أتردّد في الكتابة عن الأمر، ليس تحسّباً من ردود أفعالٍ، يمكن أن تقرأ موقفي على نحو خاطئ، فتصنفه في صالح النظام، وإنما بسبب الموقف الرهيب الذي أوصل النظام إليه السوريين. هذا الموقف لا يتلخص في حال الانقسام الذي نحن عليه، بل يتعدّاه إلى انشطاراتٍ وحساباتٍ لا حدود لها لدى كل سوري.
لو كتبت أني أدين العدوان الأميركي على الجيش السوري، لوصلتني ردود فعل غاضبة من أهل وأصدقاء ومعارف شرّدهم هذا الجيش نفسه، بعد أن قتل منهم ودمر بيوتهم وصادر أرزاقهم. كنت سأقول إن الجنود السوريين الذين تعرّضوا للقصف الأميركي هم إخوة لنا، ولا حول لهم ولا قوة، ومضطرون إلى حمل السلاح إلى جانب النظام. وكان سيقول لي قائل إن هؤلاء بنادق قتل بيد النظام، مهما كانت طبيعة ظروفهم الخاصة، وهذه البنادق لا تزال موجهة ضد السوريين، ولو أن هؤلاء سقطوا في معركة الدفاع عن سورية بوجه عدو ساعتها يمكن أن يصير الوقوف إلى جانبهم واجباً، بغضّ النظر عن النظام.
بينما كنت أقلّب الأمر من زوايا مختلفة، كانت الدعوة الروسية لعقد جلسة لمجلس الأمن بمثابة صفعة قوية. روسيا تطلب اجتماعا عاجلا لمناقشة العدوان الأميركي على الجيش السوري، والنظام السوري لم يحرك ساكنا، حتى أن مندوبه، بشار الجعفري، غاب كليا عن الأنظار، فهذا الخطيب الذي تخصص في شتم السوريين الثائرين على النظام شريكٌ فعلي في هندسة سياسة التجويع التي رعتها الأمم المتحدة طوال خمس سنوات لقتل أطفال سورية المحاصرين.
اجتمع مجلس الأمن على عجل بطلب روسي، وليس سوريّاً، لمناقشة عدوان أميركا، أما عدوان روسيا على السوريين فهو فوق مساءلة الأمم المتحدة، التي تقول المعلومات إن مساعداتها التي تم توزيعها في سورية منذ خمس سنوات كانت حصة النظام منها 96 في المائة و4 في المائة للمعارضة، عن طريق مكتب الأمم المتحدة في دمشق الذي كشفت صحيفة الغارديان البريطانية، نهاية الشهر الماضي، أنه دفع ملايين الدولارات من أموال الإغاثة للنظام السوري، ومن ذلك زوجة رئيس النظام أسماء الأسد.
على الرغم من أن التفكير بإدانة القصف الأميركي للجيش السوري مشروع وواجب، إلا أنه ترفٌ في ظرفٍ كهذا، حتى لا أقول إنه تغاضٍ عما يرتكبه هذا الجيش من جرائم بحق الشعب السوري، وهو بالنسبة للغالبية العظمى من السوريين جيش البراميل المتفجرّة. وفي المساء الذي كان جنوده يسقطون ضحايا القصف الأميركي، كان عناصره يمنعون دخول الحليب لأطفال حلب. وبعد ثلاثة أيام يقصفون بالبراميل المتفجّرة شاحنات الإغاثة التي كانت تنتظر منذ أسبوع على مداخل حلب، ولم يسمح لها هذا الجيش بالدخول، لأنها تحمل حليب أطفال فقط.
قادني هذا "المونولوغ" إلى مسألةٍ أخرى، حيث تحفل صفحات "فيسبوك" بأحاديث عن سوريين شرعوا في العودة إلى دمشق، وهم ينشرون صورا احتفالية تعلن عن فرح هذه العودة.
لا أظن أن من خرج بسبب موقفٍ صادق حيال بطش النظام، وعاد في هذا الوقت، سيتاح له التجول بحرية في دمشق، ومهما بالغ في مديح العودة إلى حضن الوطن، فإنه لن ينعم بأكثر من دبابيس حضن نظامٍ قاتل.
وجدت نفسي أتردّد في الكتابة عن الأمر، ليس تحسّباً من ردود أفعالٍ، يمكن أن تقرأ موقفي على نحو خاطئ، فتصنفه في صالح النظام، وإنما بسبب الموقف الرهيب الذي أوصل النظام إليه السوريين. هذا الموقف لا يتلخص في حال الانقسام الذي نحن عليه، بل يتعدّاه إلى انشطاراتٍ وحساباتٍ لا حدود لها لدى كل سوري.
لو كتبت أني أدين العدوان الأميركي على الجيش السوري، لوصلتني ردود فعل غاضبة من أهل وأصدقاء ومعارف شرّدهم هذا الجيش نفسه، بعد أن قتل منهم ودمر بيوتهم وصادر أرزاقهم. كنت سأقول إن الجنود السوريين الذين تعرّضوا للقصف الأميركي هم إخوة لنا، ولا حول لهم ولا قوة، ومضطرون إلى حمل السلاح إلى جانب النظام. وكان سيقول لي قائل إن هؤلاء بنادق قتل بيد النظام، مهما كانت طبيعة ظروفهم الخاصة، وهذه البنادق لا تزال موجهة ضد السوريين، ولو أن هؤلاء سقطوا في معركة الدفاع عن سورية بوجه عدو ساعتها يمكن أن يصير الوقوف إلى جانبهم واجباً، بغضّ النظر عن النظام.
بينما كنت أقلّب الأمر من زوايا مختلفة، كانت الدعوة الروسية لعقد جلسة لمجلس الأمن بمثابة صفعة قوية. روسيا تطلب اجتماعا عاجلا لمناقشة العدوان الأميركي على الجيش السوري، والنظام السوري لم يحرك ساكنا، حتى أن مندوبه، بشار الجعفري، غاب كليا عن الأنظار، فهذا الخطيب الذي تخصص في شتم السوريين الثائرين على النظام شريكٌ فعلي في هندسة سياسة التجويع التي رعتها الأمم المتحدة طوال خمس سنوات لقتل أطفال سورية المحاصرين.
اجتمع مجلس الأمن على عجل بطلب روسي، وليس سوريّاً، لمناقشة عدوان أميركا، أما عدوان روسيا على السوريين فهو فوق مساءلة الأمم المتحدة، التي تقول المعلومات إن مساعداتها التي تم توزيعها في سورية منذ خمس سنوات كانت حصة النظام منها 96 في المائة و4 في المائة للمعارضة، عن طريق مكتب الأمم المتحدة في دمشق الذي كشفت صحيفة الغارديان البريطانية، نهاية الشهر الماضي، أنه دفع ملايين الدولارات من أموال الإغاثة للنظام السوري، ومن ذلك زوجة رئيس النظام أسماء الأسد.
على الرغم من أن التفكير بإدانة القصف الأميركي للجيش السوري مشروع وواجب، إلا أنه ترفٌ في ظرفٍ كهذا، حتى لا أقول إنه تغاضٍ عما يرتكبه هذا الجيش من جرائم بحق الشعب السوري، وهو بالنسبة للغالبية العظمى من السوريين جيش البراميل المتفجرّة. وفي المساء الذي كان جنوده يسقطون ضحايا القصف الأميركي، كان عناصره يمنعون دخول الحليب لأطفال حلب. وبعد ثلاثة أيام يقصفون بالبراميل المتفجّرة شاحنات الإغاثة التي كانت تنتظر منذ أسبوع على مداخل حلب، ولم يسمح لها هذا الجيش بالدخول، لأنها تحمل حليب أطفال فقط.
قادني هذا "المونولوغ" إلى مسألةٍ أخرى، حيث تحفل صفحات "فيسبوك" بأحاديث عن سوريين شرعوا في العودة إلى دمشق، وهم ينشرون صورا احتفالية تعلن عن فرح هذه العودة.
لا أظن أن من خرج بسبب موقفٍ صادق حيال بطش النظام، وعاد في هذا الوقت، سيتاح له التجول بحرية في دمشق، ومهما بالغ في مديح العودة إلى حضن الوطن، فإنه لن ينعم بأكثر من دبابيس حضن نظامٍ قاتل.
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
بشير البكر
مقالات أخرى
26 أكتوبر 2024
19 أكتوبر 2024
12 أكتوبر 2024