حصيلة الكاظمي
في التاسع من إبريل/ نيسان 2020 أطلق مصطفى الكاظمي، في أول إطلالة تلفزيونية له باعتباره رئيس الوزراء المكلّف وعوداً عديدة، لم يحقّق الكثير منها، وهو أمر لا يثير الدهشة عند المتابعين العراقيين، فهم تعوّدوا على الآمال والوعود العريضة التي يطلقها من يتولّى أعلى منصب في السلطة التنفيذية في العراق، ثم لا يفكّر أحدٌ بمراجعتها، حتى الذي أطلقها نفسُه.
لا شكّ أن حجم المشكلات والأزمات المستعصية في العراق يدفع المواطن العراقي إلى البحث عن رجلٍ خارق أو ساحر، لا إنسان عادي قد يتحرّك بوحي من نياتٍ طيّبة، ولكن الشروط الصعبة التي تتحكّم بالوقائع على الأرض، تجبره على التراجع عدّة خطوات إلى الوراء، وربما الانهزام أمامها تماماً. وهو الشعور الذي ترسّخ عند أكثر المتابعين العراقيين بشأن النهاية التي انتهت إليها حكومة الكاظمي.
عشية احتجاجات تشرين 2019 الحاشدة، وجدت الطبقة السياسية العراقية نفسها أمام ضرورة أن تتراجع إلى الخلف عدّة خطواتٍ من أجل امتصاص زخم التظاهرات وغضب الشارع، فجاءت بشخصيةٍ من الصفّ الثاني من السياسيين غير المعروفين إلا لدوائر محدودة من الصحافيين، الذين زاملوا الكاظمي في ما سبق، أو الذين تعاملوا معه إبّان تولّيه إدارة جهاز المخابرات العراقي.
وعلى الرغم من جلوسه إلى طاولة النقاشات الأمنية لرئيس الوزراء السابق، عادل عبد المهدي، خلال احتجاجات تشرين، إلا أن كثيرين كانوا يرون في الكاظمي شخصاً مختلفاً، وضاعف الغموض حول شخصيته، وكذلك توليه واحدا من أخطر الأجهزة الأمنية في البلد، من آمال الناس الذين سمعوا كلمته الافتتاحية، وربما صدّقوا بعضاً مما فيها.
كانت هناك توقعات متباينة من الكاظمي، وهو يشغل مقعد عبد المهدي، فالطبقة السياسية التي نصّبت الكاظمي هي نفسها التي جلبت عبد المهدي، وهي تنتظر من الرجل أن يتعامل مع التظاهرات باعتبارها مشكلةً تستوجب الحلّ، وليست عَرَضَاً لمشكلةٍ أعقد وأعمق تتعلّق بالطبقة السياسية نفسها. كانت هذه الطبقة تريد من الكاظمي أن يُنهي التظاهرات، كما أنها تسعى، من خلاله، إلى هدفين آخرين: كسب الوقت لالتقاط أنفاسها وإعادة تنظيم صفوفها بعدما تخرّبت سمعتها بسبب الاحتجاجات. وإعادة الثقة بالعملية السياسية، وأن الاحتكام إلى الآليات الديمقراطية هو السبيل الوحيد للتغيير، وليس "إسقاط النظام" كما كان المتظاهرون يهتفون.
أما المجتمع الدولي فكان قلقاً من احتمالات أن تتّسع التظاهرات إلى مستوى تفقد فيه السلطات الأمنية العراقية السيطرة، ما يهدّد بعودة النشاطات الإرهابية، أو أن تؤثر الاضطرابات على إمدادات النفط. في المجمل، كان المجتمع الدولي، وأميركا تحديداً، يطلب من الطبقة السياسية أن تستجيب لمطالب المتظاهرين من أجل عودة الهدوء إلى الشارع العراقي، ليس حبّاً بالمتظاهرين أو إيماناً بمطالبهم العادلة.
أما الشارع المحتج الذي لم يعترض على تولّي الكاظمي منصب رئاسة الوزراء فكانت لديه مطالب عديدة، بعضها ذو سقوف عالية، تصطدم بالمعطيات الصلبة التي تحكُم الواقع، خصوصاً المتعلقة بتقديم قتلة المتظاهرين إلى العدالة، فالمتظاهرون والكاظمي وأطراف داخلية وخارجية كثيرة يعرفون جميعاً من هم القتلة، وأغلبهم ينتمون إلى التيارات السياسية الحاكمة. الأمر نفسه يمكن أن يقال عن مواجهة الفساد والفاسدين، فهم غالباً الذين اجتمعوا في مكتب رئيس الجمهورية، وباركوا تولّي الكاظمي رئاسة الوزراء، فكيف سيواجههم وبأي وسيلة؟!
بدا تنفيذ مثل هذه المطالب أشبه بالمهمة الانتحارية. ومع ذلك، هناك من القريبين من حكومة الكاظمي من وصف مهمته في هذا الظرف الصعب بأنها انتحارية فعلاً، وأنه يواجه مع فريقه الحكومي الخاص مخاطر جديّة. ولعل من الأدلة على ذلك محاولة الاغتيال التي تعرّض لها بقصف بالصواريخ على منزله في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021.
في المحصّلة، ما عدا إجراء انتخابات ناجحة في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، لم ينجح الكاظمي في تقديم قتلة المتظاهرين إلى العدالة، وما زال الفساد يضرب البلاد والدوائر الحكومية طولاً وعرضاً، ولم تنته ولايته إلا مع فضيحة فساد كبرى تتعلق بودائع دائرة الضريبة، وعادت القوى المتهمة بالفساد والخراب إلى الواجهة، وهي ذاتها القوى التي خرج الشارع المحتجّ ضدها في ما سبق.