22 يناير 2018
حصارنا المرافق حصار حلب
لمّا دخل الجيش الأميركي إلى العراق عام 2003 محتلّاً. تفجَّر المجتمع العراقي، وظهرت فيه المشكلات الطائفيَّة والاثنيَّة التي راكمها نظام البعث. وبتسارعٍ ملحوظ، تشكَّلت بوادر مقاومة عراقيَّة مركّبة مسلَّحة، تجمعُ، بشكلٍ أساسي، بين أربعة مراكز متراكبة: أوَّلاً، التديُّن الأهلي السني. ثانياً، العشائر العراقيّة السنيّة المحافظة. ثالثاً، ضباط الجيش والمخابرات وموظّفو الدولة الموجودون سابقاً في السلك الأمني والعسكري والبيروقراطي للنظام المخلوع. ورابعاً، الإسلام السلفي الجهادي القاعدي، والذي خضع لتحوُّل جذريّ بعد تجربة أبو مصعب الزرقاوي الذي عمد إلى موضعة الحرب وأقلمة الجهاد، بعد أن كانت القاعدة مهتمةً أكثر بجعل المعركة في "دار الحرب"، أي داخل الغرب نفسه. تكوّن هذا التحالف المسلّح وتعاضد، نتيجة عدَّة عوامل، منها الطريقة المشهديَّة المؤذية للوجدان، والتي تم فيها إسقاط نظام صدام وإهانته، والتحالف بين التشكيلات السياسيَّة الشيعيّة والإدارة الأميركيّة، واستفحال التغوّل الإيراني في العراق، وهيمنة الشيعيَّة السياسيَّة على المشهد العام، والانتقام الأهلي الذي تمّ برعاية سيّئ الذكر، بول بريمر، تحت يافطة "اجتثاث البعث"، حيث تم، فعليّاً، إقصاء كل السنة من مراكز القرار السياسي والعسكري والأمني والاقتصادي، والتأسيس للطائفيّة السياسيّة في عراق ما بعد صدام.
تلك المقاومة المسلحة، ذات النفحة الاجتماعيَّة العشائريّة المحافظة، والتوجّه السلفي القاعدي الطائفي، وقف إلى جانبها غالبيَّة المثقّفين، من يساريين ممانعين، يعرّفون أنفسهم مناهضين للإمبرياليّة الأميركيَّة، ويساريين وقوميين، وحتّى علمانيين، لأنّها كانت تحارب احتلالاً أجنبياً داخل أراض عربيّة. جزءٌ كبير من ذلك المركّب العراقي المسلّح المتخمِّر سنوات صار ذا فعّاليّة وتأثير في تنظيم الدولة الإسلاميّة، وهذا هو المركّب المقاوم العراقي المُجهَض والخائب.
في مدينة حلب في الشمال السوري، لدينا وضعٌ مُعقَّد ومربك. حصار إنساني خانق، يقوم به نظام إجرامٍ إبادي، يهدّد نصف مليون إنسان بالقتل والإبادة. كما أنَّ سيطرة آل الأسد وحلفائهم على حلب يُعقّد فرص عقد أي تسوية سياسيّةٍ على طاولة المفاوضات، ويقرّبه من عتبة الحسم الأمني والعسكري. لذلك، على المستوى الإنساني العاجل والمباشر، ومن ناحية إلحاق الضرر بآل الأسد وبحزب الله المحتل في سورية، تبدو المقاومة السورية المركّبة ضروريّة وجيّدة. ولكن، على المديين، المتوسّط والبعيد، الكل يعلم خطورة هيمنة الجهات الفاكّة للحصار، بالنظر إلى طبيعة المركّب السوري الفاكّ للحصار، حيث الهيمنة شبه المطلقة لتيار الإسلام العسكري الجهادي، بمختلف أنماطه وتشكيلاته الأيديولوجيّة. أمّا الكلام، أننا، نحن الديمقراطيين، سنلتف حول ظهر الإسلاميين الجهاديين، بعد أن يسقطوا الأسد، ونأخذ البلد نحو الديمقراطيّة، ونجبرهم على قبول التعدديّة وتداول السلطة، فهذا استخفاف بهؤلاء، فاعلين سياسيين لديهم إراداتٌ مستقلةٌ ومشروعٌ مكتمل من جهة، وعدم إدراك الوزن الواقعي المباشر الضعيف، في التأثير والمبادرة في مجريات الأحداث للديمقراطيين من جهة ثانية.
السؤال، كيف تبنى السياسة وتشتقّ المواقف، من الملحّ العاجل، أم من الاستراتيجيّ البعيد؟ نحن محاصرون أيضاً. وفي السياق نفسه، يضع الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، حزب الاتحاد الديمقراطي، الأكراد السوريين في التناقض نفسه، المحاربة الفعالة العاجلة لخطر داعش الداهم، مع التأسيس البطيء لهيمنة اجتماعيّة وسياسية شاملة على المدى البعيد، والقضاء على أي تعدّديةٍ سياسية داخل المجتمع الكردي.
يبدو اتّخاذ موقف أمراً صعباً. ولكن، إذا كانت المقاومة العراقيّة المجهضة ولّدت تنظيم الدولة الإسلاميّة، وشدّت الجهاد من العالم البعيد إلى الإقليم القريب، فإنَّ المقاومة السورية إذا أجهضت، ستشدّ الجهاد نفسه، من الإقليم القريب إلى العالم البعيد، وهذا ما نرى بوادره. الموقف الأدق أنّ تكون مع فك الحصار عن المدنيين، ومع هزيمة آل الأسد وحلفائهم عسكرياً، أكثر بكثير من الوقوف إلى جانب أيديولوجية الجهات الفاكّة للحصار والمحاربة. أمّا التعويل، فيتم على شيءٍ لا يمكن إهماله في علوم الاجتماع الحديثة، وهو إرادة الناس العاديين اللامرئيين الذين، عملياً، أوقفوا الطيران الروسي الحديث بإشعال الإطارات.
تلك المقاومة المسلحة، ذات النفحة الاجتماعيَّة العشائريّة المحافظة، والتوجّه السلفي القاعدي الطائفي، وقف إلى جانبها غالبيَّة المثقّفين، من يساريين ممانعين، يعرّفون أنفسهم مناهضين للإمبرياليّة الأميركيَّة، ويساريين وقوميين، وحتّى علمانيين، لأنّها كانت تحارب احتلالاً أجنبياً داخل أراض عربيّة. جزءٌ كبير من ذلك المركّب العراقي المسلّح المتخمِّر سنوات صار ذا فعّاليّة وتأثير في تنظيم الدولة الإسلاميّة، وهذا هو المركّب المقاوم العراقي المُجهَض والخائب.
في مدينة حلب في الشمال السوري، لدينا وضعٌ مُعقَّد ومربك. حصار إنساني خانق، يقوم به نظام إجرامٍ إبادي، يهدّد نصف مليون إنسان بالقتل والإبادة. كما أنَّ سيطرة آل الأسد وحلفائهم على حلب يُعقّد فرص عقد أي تسوية سياسيّةٍ على طاولة المفاوضات، ويقرّبه من عتبة الحسم الأمني والعسكري. لذلك، على المستوى الإنساني العاجل والمباشر، ومن ناحية إلحاق الضرر بآل الأسد وبحزب الله المحتل في سورية، تبدو المقاومة السورية المركّبة ضروريّة وجيّدة. ولكن، على المديين، المتوسّط والبعيد، الكل يعلم خطورة هيمنة الجهات الفاكّة للحصار، بالنظر إلى طبيعة المركّب السوري الفاكّ للحصار، حيث الهيمنة شبه المطلقة لتيار الإسلام العسكري الجهادي، بمختلف أنماطه وتشكيلاته الأيديولوجيّة. أمّا الكلام، أننا، نحن الديمقراطيين، سنلتف حول ظهر الإسلاميين الجهاديين، بعد أن يسقطوا الأسد، ونأخذ البلد نحو الديمقراطيّة، ونجبرهم على قبول التعدديّة وتداول السلطة، فهذا استخفاف بهؤلاء، فاعلين سياسيين لديهم إراداتٌ مستقلةٌ ومشروعٌ مكتمل من جهة، وعدم إدراك الوزن الواقعي المباشر الضعيف، في التأثير والمبادرة في مجريات الأحداث للديمقراطيين من جهة ثانية.
السؤال، كيف تبنى السياسة وتشتقّ المواقف، من الملحّ العاجل، أم من الاستراتيجيّ البعيد؟ نحن محاصرون أيضاً. وفي السياق نفسه، يضع الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، حزب الاتحاد الديمقراطي، الأكراد السوريين في التناقض نفسه، المحاربة الفعالة العاجلة لخطر داعش الداهم، مع التأسيس البطيء لهيمنة اجتماعيّة وسياسية شاملة على المدى البعيد، والقضاء على أي تعدّديةٍ سياسية داخل المجتمع الكردي.
يبدو اتّخاذ موقف أمراً صعباً. ولكن، إذا كانت المقاومة العراقيّة المجهضة ولّدت تنظيم الدولة الإسلاميّة، وشدّت الجهاد من العالم البعيد إلى الإقليم القريب، فإنَّ المقاومة السورية إذا أجهضت، ستشدّ الجهاد نفسه، من الإقليم القريب إلى العالم البعيد، وهذا ما نرى بوادره. الموقف الأدق أنّ تكون مع فك الحصار عن المدنيين، ومع هزيمة آل الأسد وحلفائهم عسكرياً، أكثر بكثير من الوقوف إلى جانب أيديولوجية الجهات الفاكّة للحصار والمحاربة. أمّا التعويل، فيتم على شيءٍ لا يمكن إهماله في علوم الاجتماع الحديثة، وهو إرادة الناس العاديين اللامرئيين الذين، عملياً، أوقفوا الطيران الروسي الحديث بإشعال الإطارات.