09 نوفمبر 2024
حصاد سنوات بوتفليقة
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
كل الإمكانات والمؤشرات تقول إن الجزائر قادرة أن تكون البلد العربي الرائد، لأسباب كثيرة. فالشَّعب الجزائري استطاع إنجاز أكبر ثورة في تاريخ الدول العربية، بعد استعمار استيطاني تجاوز 130 عاماً. وهي بلد ثريّ بخيراته الطبيعية المتدفقة، وبتنوعه الجغرافي الذي لا مثيل له تقريباً في أي بلد عربي آخر، ويحتل موقعاً استراتيجياً كبيراً، كبلد عربي أمازيغي إسلامي وإفريقي ومتوسطي كبير، يقترب سكانه من 40 مليون نسمة. كما أن شعبه شابّ، ما يمنح البلد احتياطاً فكريا رهيباً.
كل هذه المؤشرات كفيلةٌ، نظرياً، على الأقل، بأن تصنع من الجزائر "واحة" في "الصحراء" العربية، لكن "الاستثناء" الجزائري، للأسف، لم يَحدُث. وأصبحنا في الهمّ كُلنّا شرق.
كل هذه المؤشرات كفيلةٌ، نظرياً، على الأقل، بأن تصنع من الجزائر "واحة" في "الصحراء" العربية، لكن "الاستثناء" الجزائري، للأسف، لم يَحدُث. وأصبحنا في الهمّ كُلنّا شرق.
لن نذهبَ إلى الماضي البعيد، ونحن نعيش، اليومَ، استحقاقاً انتخابياً في الجزائر، وهو امتحان حقيقي، لأن الظروف صعبة، وكل الاحتمالات واردةٌ. والشعب الجزائري يعرف هذه الحقائق جيداً، وباستطاعة أي مواطن جزائري أن يصبح محلّلا سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وهو يرى حالة البؤس والخراب التي لا تليق ببلد المليون شهيد، إذ تتكدس خزائن دولته بأموال أكثر من أموال قارون.
استطاعت "الشرعية الثورية" أن تخدع الجزائريين ردحاً من الزمن، وحين استفاقوا إلى جنرالاتٍ فاسدين، ينهبون ولا يمنحون للشعب إلا الفتات، ثاروا، وكانت الحرب الأهلية الرهيبة، أو الحرب التي يحار المرء في توصيفها. وكانت مُكلِّفةً على جميع الصعد، وخصوصاً العنصر البشري، مع مقتل أكثر من 200 ألف جزائري.
وجاءت خشبة الخلاص من عبد العزيز بوتفليقة. أراده الجزائريون رئيس مرحلة حاسمة، يشرف على المصالحة، ويعيد الوطن إلى السكّة، وينصرف إلى الاهتمام بصحته وكتابة مذكراته، كما فعل من قبله كثيرون، نيلسون مانديلا وسوار الذهب مثلاً. ولكن، للكرسيّ جاذبية لا تُقاوَم!
كشف الرجل أنه كان ينتظر هذا المنصب منذ رحيل هواري بومدين، وقرر ألا يغادره إلا إلى لَحده. فما الذي قدمه هذا الرئيس حتى يتصور نفسه ضرورياً للبلد؟ أَلَمْ تَلِد نساءُ الجزائر غيره ممن يستحق إدارة شؤون هذا البلد؟
لو يستفتي المرء شباب الجزائر، المتطلعين، في شوق، قاتلٍ أحيانا، للالتحاق بأوروبا، ولو يسأل عن مستويات البطالة، وعن مشكلات السكن، تأتيه حصيلة البلد. ولو يتساءل المرء عن دور الجزائر السياسي، الرائد في القرن الماضي، وكيف أصبح غير مؤثر، الآن، سيُصابُ بالإحباط.
استطاعت "الشرعية الثورية" أن تخدع الجزائريين ردحاً من الزمن، وحين استفاقوا إلى جنرالاتٍ فاسدين، ينهبون ولا يمنحون للشعب إلا الفتات، ثاروا، وكانت الحرب الأهلية الرهيبة، أو الحرب التي يحار المرء في توصيفها. وكانت مُكلِّفةً على جميع الصعد، وخصوصاً العنصر البشري، مع مقتل أكثر من 200 ألف جزائري.
وجاءت خشبة الخلاص من عبد العزيز بوتفليقة. أراده الجزائريون رئيس مرحلة حاسمة، يشرف على المصالحة، ويعيد الوطن إلى السكّة، وينصرف إلى الاهتمام بصحته وكتابة مذكراته، كما فعل من قبله كثيرون، نيلسون مانديلا وسوار الذهب مثلاً. ولكن، للكرسيّ جاذبية لا تُقاوَم!
كشف الرجل أنه كان ينتظر هذا المنصب منذ رحيل هواري بومدين، وقرر ألا يغادره إلا إلى لَحده. فما الذي قدمه هذا الرئيس حتى يتصور نفسه ضرورياً للبلد؟ أَلَمْ تَلِد نساءُ الجزائر غيره ممن يستحق إدارة شؤون هذا البلد؟
لو يستفتي المرء شباب الجزائر، المتطلعين، في شوق، قاتلٍ أحيانا، للالتحاق بأوروبا، ولو يسأل عن مستويات البطالة، وعن مشكلات السكن، تأتيه حصيلة البلد. ولو يتساءل المرء عن دور الجزائر السياسي، الرائد في القرن الماضي، وكيف أصبح غير مؤثر، الآن، سيُصابُ بالإحباط.
ماذا أنجز بوتفليقة حقاً حتى يستحق ولاية رئاسية رابعة؟ غير إطالة عمر الجنرالات الذين يتحكمون في خيرات الأمة، ريعها النفطي الرهيب.
ينظر الجزائريون، من حين إلى آخر، إلى دول الجوار المغاربية القريبة، فيفاجئهم أنها أفضل حالاً، على الرغم من أنها لا تتوفر على ثروات الجزائر الضخمة. وكان "الربيع العربي" فرصة للشباب الجزائري للانتفاضة، لكنهم يدركون، من التجربة القريبة، أن جنرالاتهم لن يختلفوا عن عصابات الأسد في سوريا، في القهر وحرق الأرض والبشر.
الانتخابات؟ أي انتخابات حين يشرف عليها العسكر؟ وحين ينافس الرئيسَ العجوزَ مرّشحٌ من السراي نفسه؟ هل هو اليأس، إذن؟
استعان الشعب الجزائري، في السنوات الأخيرة، بسلاح السخرية المرّة، ونَحت مصطلحاتٍ بالغة الدلالة، "الحكرة" ثم "الحيطيست" و"الحرقة" وأخيرا "بَرَكَات". مصطلحات تُدين الطبقة السياسية المتحكمة بشعبها، وتحكي عن تحول الشباب الجزائري إلى شبابٍ عاطلٍ ومنكسر يتحسس الحيطان، وهو مستعد "للإبحار" لأوروبا في زوارق الموت، ويصرخ أخيرا: "بَرَكَات"، أي كفى!
كفى من حكم الجنرالات، ومن حكم الرجل العجوز بوتفليقة! هذه حصيلة بوتفليقة، فماذا تُراهُ يريد أن يفعل من جديد؟ الشعب الجزائري، والشباب الجزائري يستحقان، بالتأكيد، أفضلَ من هؤلاء.
ينظر الجزائريون، من حين إلى آخر، إلى دول الجوار المغاربية القريبة، فيفاجئهم أنها أفضل حالاً، على الرغم من أنها لا تتوفر على ثروات الجزائر الضخمة. وكان "الربيع العربي" فرصة للشباب الجزائري للانتفاضة، لكنهم يدركون، من التجربة القريبة، أن جنرالاتهم لن يختلفوا عن عصابات الأسد في سوريا، في القهر وحرق الأرض والبشر.
الانتخابات؟ أي انتخابات حين يشرف عليها العسكر؟ وحين ينافس الرئيسَ العجوزَ مرّشحٌ من السراي نفسه؟ هل هو اليأس، إذن؟
استعان الشعب الجزائري، في السنوات الأخيرة، بسلاح السخرية المرّة، ونَحت مصطلحاتٍ بالغة الدلالة، "الحكرة" ثم "الحيطيست" و"الحرقة" وأخيرا "بَرَكَات". مصطلحات تُدين الطبقة السياسية المتحكمة بشعبها، وتحكي عن تحول الشباب الجزائري إلى شبابٍ عاطلٍ ومنكسر يتحسس الحيطان، وهو مستعد "للإبحار" لأوروبا في زوارق الموت، ويصرخ أخيرا: "بَرَكَات"، أي كفى!
كفى من حكم الجنرالات، ومن حكم الرجل العجوز بوتفليقة! هذه حصيلة بوتفليقة، فماذا تُراهُ يريد أن يفعل من جديد؟ الشعب الجزائري، والشباب الجزائري يستحقان، بالتأكيد، أفضلَ من هؤلاء.
دلالات
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
بشير البكر
مقالات أخرى
02 نوفمبر 2024
26 أكتوبر 2024
19 أكتوبر 2024