حرب اليمن ورقة مساومة إيرانية
تقترب حرب اليمن من نهاية العام السادس في الشهر المقبل (مارس/ آذار) في الوقت الذي تكثف فيه الولايات المتحدة جهودها من أجل وضع حدٍّ لها. وأول بادرة أمل في هذا الاتجاه هي مباشرة المندوب الأميركي إلى اليمن، تيم ليندركينغ، تحرّكه في مطلع الأسبوع بجولةٍ تشمل منطقة الخليج العربي. وذكرت وزارة الخارجية الأميركية أنّ مباحثاته "ستركز على نهج المسار المزدوج للولايات المتحدة لإنهاء الصراع في اليمن: حل سياسي دائم وإغاثة إنسانية للشعب اليمني". وقبل ذلك، كانت واشنطن قد اتخذت ثلاثة قرارات هامة. الأول، أنها جمّدت، مؤقتا، بعض مبيعات الأسلحة للإمارات والسعودية التي كانت تغذّي الحرب. وجاءت هذه الخطوة بعد أن تعهد الرئيس الأميركي، جو بايدن، في حملته الانتخابية بمنع استخدام الأسلحة الأميركية في العمليات العسكرية في اليمن، وأتبعت الادارة هذا القرار بقرار آخر لا يقل أهمية وتأثيرا، وهو وقف دعم العمليات القتالية في اليمن. والقرار الثالث هو التراجع عن تصنيف الحوثيين جماعةً إرهابية، الذي اتخذته إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب.
وأرادت الولايات المتحدة من القرارين، الأول والثاني، الضغط المباشر على السعودية، والتي لا تستطيع الاستمرار بالحرب بالزخم نفسه من دون الأسلحة الأميركية والإسناد التقني والمعلوماتي الذي تؤمنه وزارة الدفاع الأميركية للرياض. بينما تهدف من القرار الثالث لتبريد الجو مع الحوثيين، من خلال السماح باستمرار عمل منظمات الإغاثة التي يعتمد عليها حوالي 80% من اليمنيين في مناطق النزاع. وللقرارات الثلاثة تأثير فعلي، ولكن ذلك لا يعني أنها سوف تحقق ما تتوخّاه واشنطن، من دون فوائد مباشرة للحوثيين وإيران. وإذا دققنا في الوضع العام للحرب السعودية الإماراتية على اليمن، فإننا نجد أنها خاسرة بكل المقاييس، إلى حد أن السعودية ذاتها تفتش عن مخرجٍ مشرّف منها، وهي متردّدة حيال وقف الحرب من جانب واحد، كي لا تسجل على نفسها أنها لم تحقق هدفها، أو أنها خسرت الحرب، وأقل ما يمكن أن تقبل به هو التعادل، وهذ أمر لا يظهر في الأفق، وتعكس العمليات العسكرية الجارية في منطقة مأرب إصرار الحوثيين، ومن خلفهم إيران، على السيطرة الكاملة على هذه المدينة التي تشكل آخر معقل للحكومة اليمنية.
يبقى أن تأثير واشنطن على مجرى الحرب يظل مرهونا بمدى قدرتها في الضغط على إيران، كون الأخيرة هي التي تتحكّم بقرار الحوثيين. ولا يبدو أن طهران في هذا الوارد، قبل أن تحصل على تنازلاتٍ من الولايات المتحدة في الملف النووي. ومن هنا، يبدو من غير المستبعد أن تصبح الحرب اليمنية ورقة مساومة بين واشنطن وطهران. وفي حال وصلت المساعي الأميركية إلى طريق مسدود، يمكن لهذه الحرب أن تستمر في جولات أخرى، طالما أنها لا تهدّد المصالح الدولية مباشرة، فالخسائر المترتبة على الاسلحة المستخدمة حتى الآن تتحمّلها السعودية وإيران والإمارات، في حين يدفع أهل اليمن الكلفة البشرية في المقام الأول، ذلك أن أشرس المعارك دارت بين اليمنيين في المعسكرات المتحاربة. وفي الوقت ذاته، لحق الضرر، بصورة أساسية، بالبنى التحتية والاقتصاد في اليمن، بالإضافة إلى الخسارة السياسية المتمثلة بتقسيم اليمن إلى عدة أجزاء، ليس هناك أي أمل في إعادة اللحمة ما بينها في المدى المنظور. ويتوقف ذلك على قدرة الأطراف اليمنية التي تقف في الصف الآخر للحوثيين، من أجل التوصل إلى اتفاقٍ في ما بينها. والمقصود بذلك الحكومة التي تتبع للرئيس عبد ربه منصور هادي، المقيم في الرياض منذ بداية الأزمة في منتصف 2015، والمجلس الانتقالي الحليف لأبوظبي، والذي يسيطر على القسم الأكبر من مساحة الجنوب.