حرب إعادة احتلال الضفة الغربية
الهجوم العسكري الإسرائيلي الجاري على جنين وطولكرم وطوباس، منذ الأربعاء الماضي، يأتي كي يستكمل حرب إعادة احتلال الضفّة الغربية، التي بدأتها حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قبل هجمات السابع من أكتوبر (2023). وتُجمِع التقديرات على اعتبار الحملة الواسعة في شمال الضفّة أسوأَ من عملية السور الواقي عام 2002، باستخدام قوّاتٍ عسكريةٍ كبيرةٍ، يرافقها قصفٌ جويٌّ من المسيّراتِ والطيرانِ الحربي، وتشمل، في مرحلة أولى، تصفياتٍ جسدية واعتقالات، وتدميراً ممنهجاً للبنية التحتيّة، بغرض التقويض التدريجي لأساس الكيان الفلسطيني المُستقبلي، بموازاة تكثيف وتوسيع الاستيطان، وإجبار السكّان على الهجرة.
تجري العملية في ظلّ حكومة المستوطنين، التي قامت على نصّ صريح يقول بـ"حقّ تقرير المصير في أرض إسرائيل"، بما يشمل الضفّة الغربية. وعلى هذا الأساس، نُقِلَت الصلاحيات المتعلّقة بالاستيطان والإدارة المدنية في الضفّة من الجيش إلى زعيم حزب الصهيونية الدينية، بتسلئيل سموتريتش، الذي تحدّث فيه عن "خطّة سرية" لضمّ الضفّة الغربية إلى إسرائيل، وإجهاض أيّ محاولةٍ لتصبح جزءاً من الدولة الفلسطينية، وجاء ذلك في تسجيل صوتي في يونيو/ حزيران الماضي، حصلت عليه صحيفة نيويورك تايمز الأميركية.
وكما هو واضح، الخطوة الأولى في هذا الطريق هي حسم الوضع الأمني، من خلال القضاء على المقاومة في مخيّمات الضفّة، ومن ثمّ الانتقال إلى وضع جديد، يعتمد في مرحلةٍ أولى صيغةً شبيهةً بخطّة اليوم التالي، التي طرحها نتنياهو لإدارة قطاع غزّة، على أساس التقاسم الوظيفي. تعتبر حكومةُ نتنياهو أنّ الوقت مناسبٌ لتحقيق أهدافها السياسية والعسكرية، وتستغلّ عوامل عدّة، في مقدمتها حال الانقسام الفلسطيني الذي تتحمّل مسؤوليته السلطة الفلسطينية، التي تركت قسماً من شعبها يتعرّض لحرب إبادة في غزّة، ولم تتحرّك لتوحيد قوى الشعب الفلسطيني من أجل مواجهة التحدّي الكبير، الذي يُهدّد وجوده في أرضه.
والعامل الثاني يتجلّى في ركون اسرائيل إلى تراجع احتمال توسيع الحرب في الجبهة اللبنانية، وهو ما يتطلّب مجهوداً عسكرياً وأمنياً مهمّاً، وقد تولَّد لديها هذا الشعور بعد ردّ حزب الله المدروس على اغتيال مسؤوله العسكري فؤاد شُكر، الذي حافظ فيه على قواعد الاشتباك السابقة، ولم يذهب إلى التصعيد، هذا بالإضافة إلى تأخّر الردّ الإيراني على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنيّة، في طهران.
يتمثّل العامل الثالث في حال النفاق الدولي الذي تُعبّر عنه الولايات المتّحدة، التي تبدو حيال الحرب على الضفّة الغربية، ليست في وارد أن تغيّر مقارباتها التي اعتمدتها منذ بداية الحرب على غزّة. ومن المُرجَّح أنّها ستستمرّ في إطلاق المناشدات، ولن تفعل أكثر من ذلك، بل لن تتخلّى عن مساندة إسرائيل عسكرياً وسياسياً.
والعامل الرابع هو الموقف العربي الرديء، المنقسم بين صامتين متفرّجين متخاذلين، وحلفاء مُطبّعين متواطئين، ولا تبدو في الأفق أيُّ علامةٍ على أنّه سيرتقي إلى خطورة المُخطّط الاسرائيلي، الذي ستتحمّل نتائجه الكارثية الدول العربية المحيطة بفلسطين، وخاصّة الأردن، المُهدَّد بصورة فعلية من عمليات تهجير واسعة من الضفّة الغربية. ولا يبدو أنّ ما تقوم به حكومة المستوطنين كلّه بعيد من مشروع الوطن البديل لتصفية القضية الفلسطينية، من خلال تهجير الفلسطينيين إلى الأردن.
وسواء وصل الموقف إلى هذه النقطة أم لا، فإنّ النتيجة المباشرة للهجوم العسكري هي نسف فكرة الدولة الفلسطينية في الضفّة وغزّة. وفي الأحوال كافّة، لن تَسلَم السلطة الفلسطينية من التداعيات السالبة، ومثلما أسّست عملية السور الواقي لوضع جديد، تمثّل في تقويض اتّفاق أوسلو (1993)، فإنّ العملية الحالية سوف تدفن ما تبقّى منه.