حاشية بعد مصالحة العلا

11 يناير 2021
+ الخط -

إذا صحّ أن الأزمة الخليجية انتهت فعليا وتماما، فإنه ما كان لها ذلك بغير الصيغة التي تم الاتفاق عليها. وإذا صحّ أنها انتهت جزئيا، وأن أشواطا فيها لم تكتمل بعد، فإن المصالحة العتيدة لن تكتمل بغير الصيغة نفسها، وموجزها فتح الأجواء والحدود واستئناف حركة التنقل فيهما، ما يعني وقف الحصار والمقاطعة، وبحث أي خلافاتٍ وإشكالاتٍ لدى أي من الدول الأربع مع الدوحة ثنائيا، مع التسليم المؤكّد، قبل ذلك وبعده، بعدم التدخل في أي شأنٍ سياديٍّ لأي دولة. وإذ تمتنع الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية عن نشر بيان (أو اتفاق؟) العلا، تقديرا، على الأرجح، لرغبات دولٍ دون غيرها، فإن هذا الأمر جعل بعضَنا، نحن أهل الصحافة وكتابة التعاليق فيها، نأخذ بالذي نشرته "واشنطن بوست"، أن التفاوض بشأن المطالب الثلاثة عشر إياها لم يكن مقبولا، وأن الدوحة التزمت بسحب دعاوى قانونيةٍ في محاكم دولية، مقابل إعادة فتح الحدود ورفع قيود المجال الجوي، وأن اتفاقا تم على "تخفيف حدّة الحملات السلبية في الإعلام". ولكن زملاء في صحافاتٍ مصريةٍ وبحرينيةٍ وإماراتيةٍ، وأشباه لها، آثروا أن يشرّقوا ويغرّبوا، ويفترضوا من عندياتهم ما يجعلنا نغبطهم على فائض الزهو فيهم، وهم يخبرون قرّاءهم عن "اختبارٍ" صارت فيه قطر (ونواياها!)، بموجب اتفاق العلا الموقّع، وغير المعلن (قرأنا فقط البيان الختامي وبيان العلا)، بشأن علاقاتها بتركيا وإيران، و"الإخوان المسلمين والجماعات الإرهابية التكفيرية". ولافتٌ أن تأتي على قصة "الاختبار" هاته صحيفةٌ بحرينيةٌ، بعد أن ثرثرت فيها غير صحيفةٍ مصريةٍ. والبادي في المتحدّث عنهم هنا أنهم يخافون، في غضون إنزالهم من شجراتٍ عالياتٍ صعدوا إليها، ارتطام رؤوسهم الحامية بما لا قِبَل لها به. ومن شواهد وفيرة على هذا أن صحافيا مخضرما، سعوديا إماراتي الهوى، كتب أن الدوحة لبّت "معظم ما هو متوقع منها"، وطردت "قادة" إخوانيين و... 
كل الحق مع الزميل المصري الذي سأل عن حدود المصالحة التي جرت، التزاماتِها وآلياتِها. لم يجد إجابةً تسعفه على فهم ما شاهده على الشاشات من العلا، والذي دلّ على مدىً متقدّم ومدهشٍ وصلت إليه المصالحة السعودية القطرية. ثم أربكه ما سمعه من وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، إن الأزمة طويت، وإن العلاقات الكاملة سوف تُستأنف. ولقد بدا أن الوزير الإماراتي، أنور قرقاش، يحاول أن يطمئن الحيارى والمرتبكين مثل هذا الزميل، في كلامه إن إعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة سيعتمد على تعامل قطر مستقبلا مع إيران وتركيا و"الجماعات الإسلامية المتطرّفة"، وفي الوسع أن يجتهد واحدُنا، فيرى في نقصان الكياسة (أو انعدامها على الأصح) في هذا الكلام شاهدا على ما جاءت عليه تقارير صحافاتٍ أجنبيةٍ عن قلّة حماس أبوظبي نحو المصالحة، وإيثارها بقاء الحال على ما كان عليه، وأنها سايرت الإرادة السعودية في مجرى الخلاص من الحال الشاذ الذي كان عليه المشهد العام في الخليج. وهذه صحيفة لوفيغارو الفرنسية تكتب إن انعدام الثقة ما زال قائما. ولا يشحط واحدُنا الذئب من ذيله لو قال إن التبرّم الظاهر في الإعلام المصري (التسمية مجازية ربما) من الذي صار وشوهد في العلا، وكذا الاتفاق الذي وقّع عليه سامح شكري، هو ما أجاز لصحيفة هآرتس (الإسرائيلية طبعا) أن تدسّ أنفها في القصة، وتفتي بأن الرئيس عبد الفتاح السيسي محبطٌ من حلفائه في الخليج قبل مصالحة العلا وبعدها، سيما وأن مطالبات القاهرة لم يُؤخذ بها.
.. عودا إلى مفتتح هذه السطور، ليس ممكنا أن تنتهي الأزمة الخليجية، وأن تتحقّق المصالحة المأمولة، بغير الذي تم الوصول إليه والتوقيع عليه، لا لشيء، إلا لأن التهم التي رمت بها دول "5 يونيو" (2017) قطر ثقيلة، دعم الإرهاب والإرهابيين، ولم يصدّقها غير عبد الرحمن الراشد وضاحي خلفان ولميس الحديدي ونظراء لهم. لم تشتر هذا الكلام أي حكومةٍ وازنةٍ في العالم، مع الاحترام لحكومة شرق ليبيا (أظنها استقالت وحلّت نفسها؟) وحكومتي الشرعية اليمنية وموريتانيا، بعد تراجع جزر القمر. ولذلك، من الأسلم لزملاء في الصحافات المشار إليها أعلاه أن يعرفوا أن السوق بعد العلا ليس كما قبله، وأن التواضع فضيلة، وأن ... وأن ... .

معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.