جبهة النصرة ونار الفتنة

27 مارس 2016

لافتة تطالب بإطلاق معتقل عند جبهة النصرة (آّذار/2016/فيسبوك)

+ الخط -

مَن يقرأ العبارة القائلة: "لا تنتقد جبهة النصرة في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ أمتنا الإسلامية، فهذا يصبّ في مصلحة العدو"، يتذكّر، على الفور، الخطابَ الإعلامي لنظام الأسدين، الأب والوريث، حيث أيةُ مطالبة بالحرية، وأي حديث عن الفساد، في سورية، يصبُّ في مصلحة أعداء الأمة "العربية"، وفي مقدمتهم الكيان الصهيوني الذي زرعته الإمبريالية في قلب الوطن العربي، بقصد تمزيقه.

الفارق البسيط بين الخطابين أن مؤيدي النصرة لا يعترفون بالقومية العربية، ولا بالوطنية السورية، وإنما يخافون أن يصبّ الانتقادُ في مصلحة أعداء الأمة "الإسلامية"... ولا يأتي في مقدمة هؤلاء الأعداء المُتَوَهَّمين العدوُّ الصهيوني، وإنما النظام النصيري الذي يدعمه الرافضةُ المجوس من جهة، والروسُ الكفّار من جهة أخرى.

اشتغلتْ جبهة النصرة، في الشمال السوري، خلال الفترة الأخيرة، على طريقة فرعون الذي سئل: ما الذي فَرْعَنَكَ؟ فقال: تَفَرْعَنْتُ، ولم أجد أحداً يقف في وجهي. ففي أواخر فبراير/ شباط، أعلمتْ هذه الجبهةُ أهالي المدن والقرى، في مختلف المناطق، أنها أخلت مقراتها العسكرية، لئلا يطالهم القصفُ بسببها، وفي الوقت نفسه، كانت تتغلغل في صفوف الناس، وتحاول فرض حكمها عليهم، بالقوة طبعاً، فتدخلت في المناهج المدرسية، ومنعتْ تدريس مادة الفلسفة، لأنها زندقةٌ توصل إلى الكفر، ومادة الموسيقى، لأن من يسمع الموسيقى سيسكب الرصاص المذاب في أذنيه. وأحدثت مناهج جديدة، تساعدها على ترسيخ حكمها، وشرعت الداعيات النصراويات يفرضن على النساء ارتداء المعاطف التي تصل إلى كاحل القدم، فإذا ارتفع طرفُ المعطف عن الكاحل، بضعة سنتيمترات، فما هذا إلا دليل على الفجور، والتبرّج، العياذ بالله.

دخل هذا الفرعُ من تنظيم القاعدة إلى سورية بذريعة نصرة الشعب السوري، ومقاتلة النظام المستبد، حتى يسقط، ليذهب النصراويون، بعدها، كما زعموا، إلى حيث الجهاد الخالص في سبيل الله، الخالي من أي غرضٍ دنيوي. وقد كسبوا، بهذا، أفئدة كثيرين من الناس الذين ذاقوا الأمرّين من نظام الأسدين الإجرامي، لكنهم، في الحقيقة، يشتغلون على شيء آخر، إذ ما معنى أن يصل بهم الأمر إلى مستوى جلد الشبان في الساحات العامة، لأنهم دخّنوا بعض السجائر؟ وما معنى أن يُجلد شبانٌ بتهمة النظر إلى البنات ومجالسة البنات؟ هذا التصرف دفع كثيرين منّا إلى التساؤل عمّا إذا كان الفتى، أو الفتاة، في سن المراهقة يمكن أن يكون ملاكاً، خالياً من أية عواطف أو غرائز.

حينما دخل "جيش الفتح" مدينة إدلب، تمكّنت جبهة النصرة من منع كل الفصائل العسكرية والأهالي من رفع علم الثورة الذي أصبح يعرّف "علم الكفار". ومع بداية الهدنة، انطلقت المظاهرات المعادية (للنظام وليس لجبهة النصرة). ومعلوم أن إدلب لا تقل ثوريةً وعداءً للنظام عن غيرها من المدن. ولكن، ما إن بدأت المظاهرة حتى اقتحم عناصر "النصرة: المظاهرة، وفرّقوها، وأنزلوا العلم، ثم تكرّر الأمر في معرّة النعمان. وهناك لم تكتفِ الجبهةُ بالاعتداء على المتظاهرين، بل تطوّر الأمر إلى مهاجمة اللواء 13 من الجيش الحر الذي قال قائدُه قبل أيام "الشعب السوري تاج راسي"، وقتلوا ستة من عناصره، واحتلوا مقرّاته، بعد أن كفّروه وخوّنوه.

ما يحزّ بالنفس أن هذه الأفعال العدوانية والقمعية التي تمارسها جبهة النصرة تزامنت مع وقوف معظم الثوار والمعارضين السوريين ضد الغزوين، الإيراني والروسي، ودعمهم العملية السياسية التي ستؤدي، فيما لو نجحتْ، إلى وقف جريان الدم السوري في الشوارع. إنها أفعالٌ تقدم للنظام وحلفائه ذريعةً للاستمرار في قصف الناس وقتلهم وتشريدهم، بحجة مكافحة الإرهاب. وما يؤلم أكثر أن ينبري لك صديقٌ محب، ليطلب منك السكوت، بحجة أن كلامك (وليس تصرفات جبهة النصرة) هو الذي يذكي نار الفتنة.       

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...