ثلاث حكايات عن أحمد ماهر
خرج أحمد ماهر، مؤسس حركة 6 أبريل من السجن، ليجد في استقباله بعضاً من الذين تسببوا في سجنه، يحاولون إخفاء جريمتهم في عبارات تهنئةٍ، فاخرةٍ وأنيقة، بالحرية.
في أيام الغسيل، قبل اختراع الغسالات الديجيتال، كان البسطاء يضعون كل القطع في وعاءٍ واحد، فلا يبقى الأبيضُ أبيضٓ، تماماً، ولا يعود الأسود كما كان.
وبما أننا الآن في موسم الغسيل، فلا غرابة في أن تجد قتلةً سابقين يعزفون على الكمنجات بإيقاعاتٍ رومانسية، ويتحول تجار وانتهازيون إلى أفلاطونيين في رواق سقراط، وحولهم سماسرة يتربحون على الجانبين، وصغار يسرحون بأشكال من الحلوى الملونة.
أحمد ماهر دخل السجن، لأنه رفض العمل في منافذ توزيع الفاشية والمكارثية التي افتتحها وأدارها كثيرون ممن يكتوون بالنار ذاتها الآن.. دخل السجن في لحظةٍ كان بعضهم خلالها في السلطة، وكان يستطيع أن يفعل أشياء كثيرة للتصدّي للمحرقة، غير أن الصمت المتواطئ في تلك الظروف كان مربحاً للغاية.
1- في السابع والعشرين من يوليو/ تموز 2012 كانت "لمّة" حركة السادس من إبريل إلى القوى السياسية، من كل الاتجاهات، في حفل إفطار جماعي في حديقة الأزهر، كان هناك "الإخوان" والليبراليون والقوميون، وكل المنتمين لثورة يناير، في مشهد هو الأخير من مشاهد الثورة المصرية، إذ هبت بعده رياح الاستقطاب، محملةً ببذور الثورة المضادة التي سرعان ما تحولت انقلاباً، التهم الجميع، حتى أكبر خدّامه وداعميه ومسوقيه.. في ذلك اليوم، تناول عصام سلطان وعلاء عبد الفتاح وآخرون، كنت من بينهم، عيش الديمقراطية وملحها، وكان كرنفالاً ثورياً مبهراً.. الآن، عصام سلطان في السجن، ومعه علاء عبد الفتاح، وخرج أحمد ماهر، نصف خروج، وبقي بعض من شركاء "العيش والملح" ينتظرون دورهم في البطش، بعد أن حرّضوا على من كانوا معهم على مائدة واحدة.
2- في مايو/ أيار 2013، في الأيام الأخيرة من حكم الرئيس محمد مرسي، وفي ذروة التحضير للانقلاب، امتدّت يد الأمن لتختطف أحمد ماهر من مطار القاهرة، وتودعه السجن، يومها كتبت إلى الرئيس: لا قيمة لأى إنجاز اقتصادي في مصر إذا كان على حساب كرامة المواطن وحق الإنسان المصري في الحرية والعدل، بمفهومها الواسع الشامل.
وقلت أيضا: ولن أختلف مع من يذهب إلى أن الدكتور مرسى ربما فوجئ، مثل أي مصري أصيب بالدهشة مع خبر اعتقال وحبس أحمد ماهر، وأصدّق رفض حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان مصادرة حرية واحدٍ من المشاركين في صناعة ثورة الحرية، كما لن أجادل كثيرا في أن قرار النائب العام، المستشار طلعت عبد الله، بإخلاء سبيله كان أقل ما يجب للاعتذار للثورة وقيمها ومبادئها. ولن أخوض طويلا فى أن عملية اصطياد مؤسس "6 إبريل" كانت تعبيراً عن رغبة شريرة فى استمرار اشتعال حرائق الصدام بين السلطة المنتخبة والثورة الناخبة لهذه السلطة.. كل ذلك معلوم ومفهوم، لكنه لا ينفي المسؤولية السياسية والأخلاقية لنظام الرئيس عن هكذا تحرشاتٍ بشباب الثورة، ذلك أن واجب نظام الحكم فى أية دولةٍ ألا يسمح بنشوء سلطاتٍ موازيةٍ تتصرّف، وكأنها دويلات بذاتها، وتمارس تسلطها على مصدر كل سلطة، وهو الشعب، بشكل انتقائي، لا يجعل المواطنين سواءً أمام القانون.
3- أنه، وسط جنون حملات التحضير للانقلاب، المحمولة على ظهور عواجيز السياسة، في أحداث الاتحادية، زارني في مكتبي بالقاهرة مجموعة من أعضاء المكتب السياسي لحركة 6 إبريل، جاءوا يملؤهم الذعر على البلاد مما هو آتٍ، إذ كانت الأموال تنفق بغزارة، والحشد الخطابي على أشده، لحرق المشهد بما فيه، على من فيه، كي لا يبقى محمد مرسي رئيساً.
كان أكثر ما يخيف الحركة، وعلى رأسها مؤسسها أحمد ماهر، أن من كنا نعتبرهم رموزاً ثورية حكيمة وعاقلة، صاروا الأشرس في دفع الأمور إلى الجحيم والدماء، إذ سعت الحركة، في ذلك الوقت، إلى التواصل مع كل الأطراف، حقناً للدماء، وحمايةً للثورة، والتقى ممثلون عنها مع الشخصيات السياسية البارزة، من قادة وزعماء الأحزاب التي خرجت من رحم الثورة، وكانت الصدمة أنهم سمعوا خطاباً، أقرب إلى الجنون في عنفه، ووجدوا أنفسهم في خانة الاتهام بالتقاعس وخيانة الثورة، لأنهم (أي 6 إبريل) لا يشاركون في عملية إسقاط محمد مرسي، ويقفون على الحياد، ولا يسخّرون إمكاناتهم في الحراك، لخدمة حملة "تمرد"، تلك الحملة التي كانت تتغذّى في مطابخ المؤسسات الأمنية، وتسمن في مراعيها.
أخيراً: أحمد ماهر سمّى ما حصل انقلاباً، ولم يسكت على الدم المراق في الاعتصامات الرافضة له، ولم يقايض على ثوريته وإنسانيته، فكان هدفاً على لائحة الانتقام.
هنيئاً بحرية أحمد ماهر، المنقوصة، وفي انتظار كل الحرية له، ولكل المظلومين.