18 نوفمبر 2024
توطين داعش شرقاً
على الرغم من الغموض الذي يحيط ببعض التطورات الجارية في سورية حالياً، إذ تبدو في ظاهرها غير مترابطة، إلا أنها وثيقة الصلة ببعضها. وتقدّم قراءتها معاً صورة شبه واضحة لما قد تؤول إليه الأوضاع هناك، خصوصاً ما يتعلق بمصير تنظيم داعش الذي يطلق على نفسه "الدولة الإسلامية". وأكثر هذه التطورات غموضاً والتباساً الاتفاق بين حزب الله اللبناني وعناصر التنظيم التي كانت على الحدود السورية اللبنانية على النزوح من تلك المناطق إلى شرق سورية، قريباً من الحدود مع العراق. ثم تعطيل مسيرة القافلة التي أقلت تلك العناصر، إثر قطع قوات التحالف الدولي الطريق أمامها. في الوقت الذي أعلنت فيه بغداد أنها خارج ذلك الاتفاق، ولا تعلم عنه شيئاً. وهو نفي قد لا يكون صحيحاً بالضرورة، حيث حزب الله يعني إيران ذات النفوذ والحضور في العراق. لكن ليس كل ما تفعله إيران تنسقه مع العراق، حتى وإن كان يمس أهله. وبذا، يمكن فهم الزيارة غير المعلنة التي قام بها إلى بغداد أول من أمس السبت رئيس تشخيص مصلحة النظام في إيران، محمود شاهرودي. وكذلك حدة القلق العراقي والبيان القوي الصادر عن مكتب رئيس الحكومة حيدر العبادي، والذي تضمن أن نقل مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية إلى الحدود السورية العراقية "أمر مقلق جدا وغير مقبول"، بل واعتبره "إساءة إلى الشعب العراقي". ما يعني أن ثمة خلافات أو على الأقل عدم توافق حول هذه الخطوة.
والأرجح أن الخلاف ليس فقط بين بغداد وطهران، لكن أيضاً بين القوى الكبرى ذات الصلة، تحديداً موسكو وواشنطن، فلم يكن بشار الأسد ليبرم اتفاقا كهذا من دون التنسيق مع روسيا، وهذا يكفي تماماً لإثارة حفيظة واشنطن، وإقدامها على تعطيل قافلة الدواعش في الصحراء السورية. ولا حاجة لتوضيح أن تلك التطورات وثيقة الصلة بالعودة المفاجئة للحديث عن مصير زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي، فقد خرج، الخميس الماضي، ستيفن تاونسند قائد التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسورية، ليعلن أن البغدادي ما زال حيا على الأرجح، ويختبئ في المنطقة الحدودية بين البلدين، وهي نفسها التي ينتقل إليها حالياً أعضاء التنظيم، سواء القادمون من الحدود مع لبنان، أو من استسلموا بسهولة في تلعفر وخرجوا منها تحت سمع الجميع وبصره.
من شأن ذلك المشهد أن يقدّم صورة واضحة عن تموضع جديد لتنظيم داعش، ناحية الشرق. تحديداً في الشريط الحدودي الممتد بين العراق وسورية. تلك المنطقة الرخوة والعسيرة على السيطرة الأمنية، فضلاً عن تميزها الديمغرافي بطابع قبلي، خصوصاً على الجانب العراقي. وهو ليس تموضعاً بالمعنى الجغرافي وحسب، لكنه جيواستراتيجي بالأساس، ومن ثم سياسي بامتياز. فنحن أمام عملية ممنهجةٍ لإعادة إحياء التنظيم وتجديد حضوره، وإنْ بصورة مختلفة وعلى أسس جديدة، أو بالأحرى قديمة، لا مكان فيها لمقومات دولة أو موارد وإدارة وسلطة سياسية واقتصاد ذاتي، كما كان الحال في الموصل والرقة، وغيرهما من المناطق التي سيطر عليها التنظيم ثلاثة أعوام. وإنما سيكون نقل الدواعش إلى هناك مقدمة لمرحلة جديدة مما تسمى "الحرب على الإرهاب" المتمثل في التنظيم. حيث سيتم تجميع عناصره وحصرهم في تلك المنطقة، ليتخذوا منها منطلقاً لعمليات خاطفة في مناطق أخرى على جانبي الحدود. ومع الضغوط التي تتعرّض لها بقية الفصائل المسلحة الأخرى في سورية، قد تنتقل عناصرها هي أيضاً إلى الشرق، وتنضوي تحت لواء "داعش" مباشرة أو تحتل مساحات قريبة منه. ويعاد بذلك تشكيل خريطة الجماعات المسلحة في سورية والعراق، بتنظيم رئيس يعود من جديد كما بدأ، وحوله تنظيمات أخرى أصغر تلتحق به أو تشتبك معه، في طبعة حديثةٍ من فزاعة الإرهاب التي يتعاطاها العالم كل بضع سنوات.
والأرجح أن الخلاف ليس فقط بين بغداد وطهران، لكن أيضاً بين القوى الكبرى ذات الصلة، تحديداً موسكو وواشنطن، فلم يكن بشار الأسد ليبرم اتفاقا كهذا من دون التنسيق مع روسيا، وهذا يكفي تماماً لإثارة حفيظة واشنطن، وإقدامها على تعطيل قافلة الدواعش في الصحراء السورية. ولا حاجة لتوضيح أن تلك التطورات وثيقة الصلة بالعودة المفاجئة للحديث عن مصير زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي، فقد خرج، الخميس الماضي، ستيفن تاونسند قائد التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسورية، ليعلن أن البغدادي ما زال حيا على الأرجح، ويختبئ في المنطقة الحدودية بين البلدين، وهي نفسها التي ينتقل إليها حالياً أعضاء التنظيم، سواء القادمون من الحدود مع لبنان، أو من استسلموا بسهولة في تلعفر وخرجوا منها تحت سمع الجميع وبصره.
من شأن ذلك المشهد أن يقدّم صورة واضحة عن تموضع جديد لتنظيم داعش، ناحية الشرق. تحديداً في الشريط الحدودي الممتد بين العراق وسورية. تلك المنطقة الرخوة والعسيرة على السيطرة الأمنية، فضلاً عن تميزها الديمغرافي بطابع قبلي، خصوصاً على الجانب العراقي. وهو ليس تموضعاً بالمعنى الجغرافي وحسب، لكنه جيواستراتيجي بالأساس، ومن ثم سياسي بامتياز. فنحن أمام عملية ممنهجةٍ لإعادة إحياء التنظيم وتجديد حضوره، وإنْ بصورة مختلفة وعلى أسس جديدة، أو بالأحرى قديمة، لا مكان فيها لمقومات دولة أو موارد وإدارة وسلطة سياسية واقتصاد ذاتي، كما كان الحال في الموصل والرقة، وغيرهما من المناطق التي سيطر عليها التنظيم ثلاثة أعوام. وإنما سيكون نقل الدواعش إلى هناك مقدمة لمرحلة جديدة مما تسمى "الحرب على الإرهاب" المتمثل في التنظيم. حيث سيتم تجميع عناصره وحصرهم في تلك المنطقة، ليتخذوا منها منطلقاً لعمليات خاطفة في مناطق أخرى على جانبي الحدود. ومع الضغوط التي تتعرّض لها بقية الفصائل المسلحة الأخرى في سورية، قد تنتقل عناصرها هي أيضاً إلى الشرق، وتنضوي تحت لواء "داعش" مباشرة أو تحتل مساحات قريبة منه. ويعاد بذلك تشكيل خريطة الجماعات المسلحة في سورية والعراق، بتنظيم رئيس يعود من جديد كما بدأ، وحوله تنظيمات أخرى أصغر تلتحق به أو تشتبك معه، في طبعة حديثةٍ من فزاعة الإرهاب التي يتعاطاها العالم كل بضع سنوات.