تمرير الملء الرابع لسدّ النهضة

17 يوليو 2023
+ الخط -

أصدرت مصر وإثيوبيا الخميس الماضي (13 يوليو/ تموز) بياناً مشتركاً عن استئناف المفاوضات بشأن سد النهضة، أكد مضمونه ما أورده صاحب هذه السطور في زاويته "مخاطر مسكوت عنها في سدّ النهضة"، في "العربي الجديد" الأسبوع الماضي (10 يوليو/ تموز)، حيث أعلنت مصر وإثيوبيا استئناف المفاوضات بشأن السد، مع العمل على التوصّل إلى اتفاق في غضون أربعة أشهر، مع التزام إثيوبيا بعدم إحداث "ضرر ذي شأن" بمصر أو السودان في أثناء القيام بالمرحلة الرابعة من عملية ملء خزّان السد. 
وبدلاً من أن يبث بعض الطمأنينة في قلوب المصريين والسودانيين بشأن السدّ ومصير مياه النيل مستقبلاً، يثير البيان مزيداً من التساؤلات، ويعزّز الشكوك المثارة بالفعل حول حقيقة تلك القضية الحيوية بالنسبة لبلدي المصبّ وأبعادها.
إجمالاً، لم يأت الاتفاق المبدئي الذي عبّر عنه البيان بأي جديد في اتجاه تحصيل حقوق مصر والسودان في مياه النيل أو ضمانها، أو في ألا يصيبهما السدّ بخسائر كارثية. أما تفصيلاً، فالأمر أسوأ وأخطر، فتوقيت البيان والتفاهم (عشية البدء في مرحلة الملء الرابعة) يحمل دليلا صريحا على أن الغرض الأساس هو تمرير تلك المرحلة من دون مشكلات أو اعتراضات، لا رسمية ولا حتى إعلامية. كأن البيان أو حتى استئناف التفاوض ينفي أي خطر أو مشكلة في الملء الرابع، استناداً إلى التعهّد الإثيوبي في البيان المشترك، رغم أن أديس أبابا لم تلتزم بالتعهد نفسه سبع سنوات منذ المرّة الأولى.
الأخطر هو ذلك الغموض الشامل الذي يحيط بالمسألة، فالبيان لم يتضمّن أي إشارة إلى الأسس التي ستستند إليها عملية التفاوض، أو نقطة البدء التي ستنطلق منها المفاوضات. ولا أحد يعلم هل سيبدأ التفاوض من حيث انتهت المفاوضات السابقة، أم كأنها لم تكن. كما يستحيل معرفة ماهية الأطر أو المبادئ التي ستحكُم عملية التفاوض، ولا حتى الهدف النهائي منها أو أجندة القضايا والنقاط التي سيجري التفاوض حولها أو على الأقل ستظلّ هي البنود والمحاور التفاوضية السابقة أم ستتغيّر كلياً أو جزئياً؟
وفي الظرف الاستثنائي الذي يمرّ به السودان حالياً، لا أظنّ أن أحداً بإمكانه تحديد موقف السودان من هذا البيان وموقعه من تلك العملية التفاوضية المفترضة، بصفته طرفا ثالثا أصيلا في القضية برمتها، إلا إذا كانت مصر واثيوبيا ستتفاوضان وحدهما. وفي الحالتين، ستكون حجّية ما سيتم التوصل إليه، إن حدث اتّفاق، محلّ جدل بالنسبة للسودان، بالنظر إلى الأزمة الداخلية الحادّة الجارية هناك. ويثير هذا سؤالاً مهماً بشأن تحديد مدة لتفاوض أربعة أشهر، إذ لا مبرر معلناً أو معيار واضحاً لاختيار هذا المدى الزمني تحديداً للانتهاء من المفاوضات. بل لا أساس بالمرّة لأي تفاؤل أو احتمال أن تكون القضايا العالقة ونقاط الاختلاف التي أفشلت كل المفاوضات السابقة، واستمرّت بلا جدوى بضعة أعوام، قابلة فجأة للتسوية والحل، بل وإبرام اتفاق بشأنها.
ليس هذا البيان الهزيل إلا حلقة جديدة تضاف إلى سلسلة حلقات تمديد الوقت و"تصبير" المصريين والسودانيين. وليس أدلّ على ذلك من غياب أي تفاصيل إجرائية أو حتى مبدئية توحي بجدّية عملية التفاوض الجديدة، فحتى إن استُؤنفت المفاوضات، فستكون كسابقاتها معلقة في الهواء بلا إطار ضابط ولا قواعد حاكمة ولا أطراف أخرى تُشرف عليها أو تراقب وتتدخّل عند الضرورة لدى فرق التفاوض لضبط المسار أو للفصل فيما بينهم. ولا شيء، بالطبع، يضمن التزام إثيوبيا بإبرام اتفاق مُلزم أو الخروج بنتائج توافقية مُحدّدة. ولأن البيان لم يتضمّن حلفاً إثيوبياً بـ"والله والله" أو أي قَسَم، فربما ترى أديس أبابا بعد إتمام الملء الرابع أنها غير مضطرة إلى مباشرة أي مفاوضات من الأساس.

58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.