تلك الضربات الأميركية لإيران
تسمّي الولايات المتحدة المجموعات المسلّحة التي تشترك مع إيران بعلاقات دعمٍ ومساندة الأذرع الإيرانية، وتستخدم التسمية من دون مواربة في اتهام مباشر لإيران، وهي تدرك أن هذه الجماعات لا يمكن أن تقوم لها قائمة من دون أن تتلقّى التمويل والدعم السياسي والعسكري من إيران. ورغم أن هذه المجموعات المنتشرة في كل من سورية ولبنان والعراق واليمن قامت، في الأشهر الأخيرة، بهجماتٍ مباشرةٍ استهدفت التجمّعات الأميركية في المنطقة، إلا أن قادة الولايات المتحدة تجنّبوا توجيه ضربات انتقامية على الأراضي الإيرانية بشكل مباشر، واكتفوا بمهاجمة أهداف محدّدة ضد الأذرع الإيرانية في الدول المذكورة، وقد كرّرت الولايات المتحدة مع حلفائها الغربيين الهجمات مرّات عدة، مع الحرص على أن تكون الشخصيات العسكرية التي تُستهدَف موجودةً خارج الأراضي الإيرانية.
تاريخ العداء الأميركي الإيراني طويل، يعود إلى اليوم الذي انتصرت فيه الثورة الإسلامية بقيادة الخميني، وتحولت إيران من حليف نوعي لأميركا إلى عدو فعلي. وأضاف الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان إيران إلى قائمة الإرهاب، وضمّها جورج بوش الابن إلى دول محور الشر الذي أضاف إليه العراق زمن صدّام حسين، وكوريا الشمالية، وشهد تاريخ العداء الطويل لحظات تلاقت فيها مصالح الطرفين، نتج عنها تلقّي إيران أسلحة أميركية خلال حرب الخليج الأولى مقابل تحرير رهائن أميركيين، واستعمل الرئيس ريغان أموال الصفقة في الإنفاق على نشاطاتٍ أخرى لم يوافق الكونغرس على تمويلها. وفي عام 1983، ساهمت الولايات المتحدة في لفت نظر طهران إلى اختراق واسع النطاق يهدّد الحكومة من حزب توده الشيوعي والكوادر الموالية للسوفييت في إيران. وبسبب ذلك، اتخذت حكومة الخميني إجراءاتٍ منها إعدامات جماعية، أدّت فعلاً إلى القضاء على البنية التحتية الموالية للسوفييت في إيران، ولكن الالتقاء الأكبر كان في إبرام الاتفاق النووي الذي كان مسعىً رئيسياً لباراك أوباما، جنَّد له إمكاناته الدبلوماسية، وحشد خلفه مجموعة الدول الأوروبية، لتعود العلاقات إلى التدهور بعد أن ألغى ترامب الاتفاق ذاته، وكاد أن يعطي الأمر بالهجوم على إيران، حين أسقطت طائرةً أميركية في يوليو/ تموز 2019، ولكنه ألغى القرار، وعوَّض عنه بهجوم إلكتروني على مواقع إيرانية حساسة.
قامت قوات أميركية، في فبراير/ شباط 1980، بهجوم على الأراضي الإيرانية، من خلال عملية أطلق عليها مخلب العقاب، أمر بها الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر بهدف إنقاذ دبلوماسيين ومواطنين أميركيين احتجزهم مسلحون إيرانيون، وطلبوا من الولايات المتّحدة تسليم الشاه الذي لجأ إلى أميركا مقابل تسليم الرهائن. نشأت أزمة دولية كبيرة أراد الرئيس كارتر حلها بعملية مخلب العقاب، ولكن العملية فشلت، لأن القوة المكونة من ثماني طائرات أصيبت بأعطال مختلفة، واصطدمت طائراتٌ في الهواء، ما أدّى إلى مقتل ثمانية جنود أميركان وإلغاء العملية، وكانت من نتائجها خسارة كارتر انتخابات الرئاسة لصالح ريغان، وأَفرجت إيران عن الرهائن بعد دقائق من إعلان فوز الأخير بالانتخابات. لم تمنع هذه العملية الفاشلة الولايات المتحدة من تكرار الهجوم على إيران، ففي أكتوبر/ تشرين الأول 1987، هاجمت قوات البحرية الأميركية منصّتين نفطيتين إيرانيتين في الخليج، في عملية سمّيت "رامي السهام الرشيق"، ردّاً على الهجوم الصاروخي الإيراني على ناقلة نفط كويتية تحمل العلم راسية قبالة سواحل الكويت.
وجاء الهجوم الأخير في عام 1988، حين أطلقت الولايات المتحدة عملية "فرس النبي"، بسبب نشاط تلغيم قامت به إيران في مياه الخليج العربي خلال الحرب الإيرانية العراقية، وكان الهجوم أكبر عملية قتالية بحرية تقوم بها أميركا منذ الحرب العالمية الثانية، وأدّى إلى تحييد منصتي ساسان وسيري النفطيتين، وساعد الهجوم الأميركي في الضغط على إيران للموافقة على وقف إطلاق النار مع العراق لاحقاً.
تُبقي هذه العمليات الكبرى احتمالية الضربات المباشرة على إيران واردة، رغم كل ما يقال عن الحذر الأميركي.