تكلفة إخراج الصدر من الحلبة

04 أكتوبر 2022

أنصار للصدر يحتشدون في احتجاج في البصرة (28/9/2022/فرانس برس)

+ الخط -

لا أحد يستطيع الجزم في ما إذا كان مقتدى الصدر سينهي مقاطعته العملية السياسية، ويستجيب لمقترحات جناح "الحمائم" في "الإطار التنسيقي" الشيعي، ويأخذ جزءاً من وزارات الحكومة العراقية القادمة، تعويضاً وترضيةً عن انسحابه الاحتجاجي من البرلمان باستقالة نوابه الـ73، أو يستمرّ في هذه المقاطعة إلى النهاية، ويترك "الإطار" وحلفاءه من السنّة والكرد يشكّلون الحكومة الجديدة.
المشكلة في سماح الصدر لـ"الإطاريين" بتشكيل حكومتهم، أن جناح "الصقور" داخل "الإطار التنسيقي" الشيعي سيعتبر ذلك فرصةً ذهبيةً لتصفية الصدر وتياره بشكل حاسم، بحيث لا يغدو مستقبلاً مصدر تهديد أو إقلاق لمشاريع هذا الإطار المدعوم من إيران، في تكرار ربما لتجربة سابقة قادها أحد زعماء "الإطار" من جناح الصقور، ضد التيار الصدري، حين أجهز المالكي، خلال ولايته الأولى لرئاسة الوزراء، على الجناح العسكري للصدريين في 2008 في عمليات "صولة الفرسان" المعروفة.
وعلى الرغم من خروج الصدريين من البرلمان، إلا أن وجودهم ما زال مؤثّراً في الدوائر الحكومية، وبعض المناصب العليا في الدولة، كما هو الحال مع منصب أمين عام مجلس الوزراء الذي يشغله القيادي في التيار الصدري، حميد الغزّي.
سيتعرّض الصدر لضربةٍ قاصمة، إذا فكّر صقور "الإطار" بتصفية وجود الصدريين في مؤسسات الدولة ومناصبها العليا، الأمر الذي يسلب الصدر جزءاً من سلطته داخل الدولة، وما هو أهم؛ يقلّص من وارداته المالية. وهذه الضربات المفترضة، إن قابلها الصدر بالصمت أو بدون ردّة فعل واضحة، ستعجّل من انشقاق بعض القيادات الوسطية في التيار الصدري، وكذلك في "سرايا السلام"، الجناح العسكري للصدريين، ليستجيبوا لإغراءات خصوم الصدر من "الإطاريين"، خصوصاً وأن كثيرين منهم، في هذه الأوقات، لا يخفون في أحاديث المجالس الخاصة، تبرّمهم وإحباطهم من الخطوات التي اتخذها الصدر بالانسحاب من البرلمان، وكذلك الطريقة التي أديرت بها اعتصامات الصدريين داخل المنطقة الخضراء، ونتائج المواجهة المسلّحة المؤسفة التي أظهرت الصدريين بمظهر المتمرّد، وأعطت للإطاريين (وهم تجمّع للمليشيات أصلاً) فرصة الظهور بمظهر المدافع عن الدولة والقانون!
على الجانب الآخر، يسعى "حمائم" الإطار التنسيقي جاهدين إلى رأب الصدع قدر الإمكان، مع الصدر، ويقدّرون ربما التكلفة العالية لإخراجه من حلبة السلطة والقرار السياسي. ومن أجل ذلك، قد يتخذون عدّة خطوات، حتى من دون موافقة الصدر على اللقاء والحوار معهم، منها عدم المساس بالمصالح المالية للصدر، أو موظفيه الكبار في الدولة، وقد ينجحون في فرض شخصيةٍ محايدةٍ يرضى عنها الصدر لشغل منصب رئيس الوزراء بديلاً عن المرشّح الحالي المثير للجدل شيّاع السوداني.
الحلّ المثالي، الذي يصرّ صقور الإطار على رفضه هو الإبقاء على مصطفى الكاظمي في منصبه، مع التعهد بإجراء انتخابات مبكرّة أخرى. ويعلم مراقبون كثيرون أن الكاظمي يحاول جاهداً إقناع الخصوم بهذا الحلّ، فعلى الرغم من أن الكاظمي لم يسع إلى أن يظهر بمظهر العدو للإطاريين وسياساتهم، بل وصمت عن استهداف بعض الفصائل المنضوية تحت جناح "الإطار" لمنزله ومحاولة قتله، إلا أنه شخصٌ موثوق من الصدر الذي يريد إبقاءه في منصبه للإشراف على انتخاباتٍ جديدة، بما يجعل الجميع يخرجون من هذه الدوامة التي استمرت سنة كاملة، غير مهزومين ولا منتصرين.
في كلّ الأحوال، لا يملك "الإطاريون" عصا سحرية لحلّ مشكلات العراق المتفاقمة، خصوصاً وأن جزءاً كبيراً من هذه المشكلات سببها فصائل وأجنحة سياسية عسكرية منضوية في "الإطار التنسيقي". ومن غير المتوقع أن يتخلّى هؤلاء عن سلوكهم الذي يتجاوز الأعراف والقوانين ويبتزّ مؤسسات الدولة ويرهبها، ويتصرفون كقوى خارجة على القانون وأعلى من سلطة الدولة. وهذا سلوكٌ لا يمكن ضبطه وتحجيمه، لأن هذه القوى، رغم أنها مجتمعة تحت مظلة سياسية اسمها "الإطار التنسيقي الشيعي"، إلا أنها تتنافس في ما بينها، وتتصارع على المصالح والموارد والنفوذ.
وربما لمعرفة الصدر أن القوى الإطارية غير قادرة على تسويق نفسها للمجتمع من جديد وتحسين صورتها، فإنه يعوّل على النفور والغضب الشعبيين، وعلى إمكانية أن يعيد التحالف الشعبي مع الناشطين المدنيين والقوى الرافضة لسلطة المليشيات والنفوذ الإيراني لتكوين تيار رفض واسع استعداداً للانتخابات المقبلة.

أحمد سعداوي
أحمد سعداوي
كاتب وروائي عراقي