تقويض العالم الإسلامي بهجمات ثقافية
تتميّز الهجمات والتحدّيات الثقافية بأنها غير ملموسة وغير محسوسة، وغالبا تبدو كأنها بريئة، ولا تستهدف شخصية أو فئة أو نهجا وتياراً. ولكنها عند التمعّن فيها توصلنا إلى قناعةٍ بأنها تسعى إلى تحقيق غاياتٍ أخرى، والدول الإسلامية لطالما تعرّضت لهجماتٍ ثقافيةٍ تمهّد لهجمات إعلامية وفكرية، لتصل، في نهاية المطاف، إلى تقويض هذه الدولة الإسلامية أو تلك، إلا أن ما نشهده اليوم خطير للغاية، إذ تحوّلت الهجمات الثقافية من ممهّدة لهجمات أخرى إلى مواجهة مباشرة.
هذا التحوّل وهذه النقلة يوحيان بأن المهاجمين وصلوا إلى قناعة بأنهم باتوا يسيطرون على الدول الإسلامية سياسياً وثقافياً، ويتعين عليهم اجتثاث العقيدة الإسلامية وانتزاعها من نفوس من يحملونها وعقولهم، فضلاً عن السماح بعدم تأثّر غير المسلمين بها. وأمامنا اليوم عشرات من النماذج التي تشير إلى هذا التحوّل والنقلة، في مقدّمتها الرسوم المسيئة للنبي الأكرم وللإسلام والرموز الإسلامية وإحراق القرآن الكريم وتهويد القدس الشريف، فهذا الكيان الصهيوني يُصادق، ومن دون مواربة، على قانون الهوية اليهودية للكيان، ما يعني أنه لا يحقّ لغير اليهود العيش فيه، وينبغي اقتلاعهم بأية طريقة كانت.
وما كادت بعض الدول الإسلامية تضمّد جراح هجمة التطرّف والإرهاب عليها، والتي تمثلت، بشكل أساسي، بسيطرة بعض التكفيريين على أجزاء من الدول الإسلامية؛ حتى بدأت تتبلور هجمة جديدة تستهدف المنظومة الأخلاقية للتعاليم الإسلامية وللمسلمين، فشرعوا بترويج المثلية الجنسية، وبدأوا بالضغط على الدول لمنعها من القيام بأية عرقلة لعملية الترويج هذه. وعندما رأوا أن علماء الدين يقفون عقبة كأداء أمام مشروعهم، شنّوا هجوماً شرساً عليهم وعلى المؤسسات الدينية والثقافية. وإيغالاً منهم في محاربة الدين، أحرقوا نسخاً من القرآن الكريم.
تحدّيات ينبغي التصدّي لها بعجالة، ولا يمكن تأجيلها، ومن بينها ظاهرة التصدي للقيم الأخلاقية والأسرية المعاكسة للثقافة الإسلامية
غلفوا ترويج المثلية الجنسية والهجوم الشرس على القيم الأخلاقية بيافطة مزركشة وشعار برّاق، فأسموه قانون تمكين المرأة والدفاع عن حقوقها، وقد تزامن إحراق القرآن الكريم مع الحملة الواسعة لترويج المثلية الجنسية. ويريدون بذلك الإيحاء بأن القرآن والإسلام هما من يقفان حجر عثرة أمام حقوق المرأة، بينما القاصي والداني يعرف مدى احترام الإسلام المرأة، ومدى دفاعه عن حقوقها، والممارسات غير الأخلاقية يعتبرها تقويضاً وهدماً لكيان الأسرة والمجتمع.
وقد نجحت إيران في المزج بين عراقتها التاريخية والتقاليد الاجتماعية والتعاليم الإسلامية وكذلك المواثيق والقوانين الدولية، وكانت بالمرصاد لكل مخطّط ومشروع مشبوه يمكن أن يستهدف ثقافة المجتمع وعقائده، ويكون بوابة أو نافذة لاستهداف أمن البلاد وواقعها السياسي، وأحبطت بجدارة كبيرة كثيراً من هذه المؤامرات.
الاجتماع الوزاري لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) الذي تحتضنه الشقيقة قطر من 25 إلى 26 أيلول/ سبتمبر الجاري فرصة مهمة للغاية، من أجل دراسة التحدّيات والأخطار التي تواجه الدول الإسلامية ثقافياً وأخلاقياً، فهناك تحدّيات ينبغي التصدّي لها بعجالة، ولا يمكن تأجيلها، ومن بينها ظاهرة التصدي للقيم الأخلاقية والأسرية المعاكسة للثقافة الإسلامية، والتصدّي والتطرف الديني، وكذلك خطط الاحتلال ومشاريعه في تهويد القدس والأراضي الفلسطينية المحتلة والقضاء على معالمها التاريخية والحضارية، فضلاً عن المجازر اليومية التي يرتكبها ضد الفلسطينيين، وأيضاً المشاريع التي تستهدف القيم الأخلاقية.
هنا نثمّن دور دولة قطر الشقيقة، حكومة وشعباً، للحفاظ على القيم الأخلاقية في أثناء مباريات كأس العالم 2022، ودعم القضية الفلسطينية خلال هذه المناسبة العالمية.
تمدّ إيران يدها، وتبدي استعدادها الكامل للتعاون بشكل ثنائي ومتعدّد الجوانب وجماعي مع الدول الإسلامية من أجل التصدّي والقضاء على هذه التحدّيات، لأنها تؤمن أن "المؤمنين كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى".