12 يوليو 2024
تظاهرات العراق ليست مؤامرة
كل موجة حراكٍ احتجاجيٍّ في بلد عربي منذ 2011 تستدعي معها أصواتا مشكّكة، تارّة يحضر حديث المؤامرات الكونية، وتارة أخرى يتم التذرّع بمؤامرة داخلية من طرفٍ محدد، في تجاوز أصل التحرّكات الاحتجاجية، وأنها بالدرجة الأولى مطلبية، سواء كانت لائحة الشكاوى سياسية أو اقتصادية واجتماعية. التعامل مع احتجاجات العراق الأيام الماضية أحدث نموذج بعدما ظهر هذا التشكيك في سورية ومصر وليبيا وتونس واليمن، وشكل الرافعة التبريرية لكل عملية قتل للمتظاهرين واعتقالهم وتعذيبهم.
يدعم المتشككون تجاه ما يجري في العراق مواقفهم بعدم وجود محرّكٍ معروفٍ للاحتجاجات التي خرجت، وكأن المطلوب أن يظهر هؤلاء علانية، لتتم تصفيتهم على غرار ما حدث في البصرة والنجف. ويتناسى هؤلاء أن إرهاصات انفجار الغضب ظهرت مبكراً، عندما بدأ العراقيون الخروج على مدى السنوات الماضية إلى الشوارع، للمناداة بأبسط حقوقهم، التوظيف العادل في مؤسسات الدولة، تحسين ساعات التغذية بالكهرباء، ضمان وصول مياه الشرب، وقف الهدر والفساد وثراء المسؤولين على حساب شعبٍ يئن من وطأة الفقر، إعادة إعمار المدن المدمرة جراء الحرب على تنظيم داعش الإرهابي، إعادة النازحين، وقف الاعتقال السياسي، المحاكمات العادلة... وهي مطالب اتحد بشأنها العراقيون، بمختلف طوائفهم ومذاهبهم وانتماءاتهم السياسية، ولا تترك مجالاً على غرار ما جرى في مرات سابقة للتشكيك بطبيعة التظاهرات ومحاولة إفقادها الزخم والحاضنة الشعبية الأوسع.
كما يغفلون عمداً حقيقة تعمّد التجاهل الرسمي لهذه الشكاوى، وكل مرّة بحجة مختلفة. من يجب أن يحمل مسؤولية ما يجري وتبعاته هم الذين تعاقبوا على حكم العراق منذ الاحتلال الأميركي، والقوى السياسية والدينية التي وظفت العراق والعراقيين لتحقيق مآربها، من دون أن تفي بأي وعود لهم. يتحمّل جميع هؤلاء وزر فقدان المواطنين الثقة بهم.
تضع الطبقة الحاكمة العراقيين أمام خيارين: البقاء في المنازل وتناسي التدهور في حياتهم من دون أن يرفعوا صوتهم اعتراضاً أو طلباً للتغيير، وهو أمر لم يعد وارداً بعدما كسر العراقيون هذه القاعدة منذ حراك 2011، أو أن يخرجوا إلى الشارع لتقتلهم القوات الأمنية، حتى لو كانت مطالبهم محقّة، ولا ترفع شعار إسقاط النظام، بما يعكس وعياً متنامياً لدى المحتجين حول حقيقة وضع البلد وحدود التغيير المتاح يتجاوز بمراحل إدراك المسؤولين والقوى السياسية.
أما الخيار الثالث، وهو الاعتراف بالمشكلات، والعمل على إصلاحات جادّة فغير مطروح إلا كلامياً. نظام المحاصصة الطائفية الذي بني عليه العراق منذ مرحلة الاحتلال الأميركي، طبيعة الحكومات التي شكلت، وشبكة المصالح التي أُرسيت، عوامل تعيق أي خطوة جادّة في هذا الاتجاه، وتهدد بشل البلد مع كل بادرة تغيير.
لا يكفي أن يكون رئيس الوزراء الحالي، عادل عبد المهدي، يدرك ذلك، لأنه يعي تماماً كيف وضعت تظاهرات البصرة في العام الماضي حدّاً لطموحات سلفه حيدر العبادي بالحصول على ولاية ثانية في رئاسة الوزراء، سيما بعد فشله في تحقيق أيٍّ من وعوده الإصلاحية. وقد لا يكون مصير عبد المهدي مغايراً، أخذاً بالاعتبار الظروف التي رافقت تسميته لرئاسة الوزراء والأشهر الطويلة التي عانى فيها لملء الشواغر في بعض المناصب الوزارية. ويضاف إلى ذلك كله الوضع الإقليمي الملتهب، وتحول العراق إلى ساحة للمواجهة الإيرانية – الأميركية قد تكون مرشحةً لمزيد من التصعيد.
كما يغفلون عمداً حقيقة تعمّد التجاهل الرسمي لهذه الشكاوى، وكل مرّة بحجة مختلفة. من يجب أن يحمل مسؤولية ما يجري وتبعاته هم الذين تعاقبوا على حكم العراق منذ الاحتلال الأميركي، والقوى السياسية والدينية التي وظفت العراق والعراقيين لتحقيق مآربها، من دون أن تفي بأي وعود لهم. يتحمّل جميع هؤلاء وزر فقدان المواطنين الثقة بهم.
تضع الطبقة الحاكمة العراقيين أمام خيارين: البقاء في المنازل وتناسي التدهور في حياتهم من دون أن يرفعوا صوتهم اعتراضاً أو طلباً للتغيير، وهو أمر لم يعد وارداً بعدما كسر العراقيون هذه القاعدة منذ حراك 2011، أو أن يخرجوا إلى الشارع لتقتلهم القوات الأمنية، حتى لو كانت مطالبهم محقّة، ولا ترفع شعار إسقاط النظام، بما يعكس وعياً متنامياً لدى المحتجين حول حقيقة وضع البلد وحدود التغيير المتاح يتجاوز بمراحل إدراك المسؤولين والقوى السياسية.
أما الخيار الثالث، وهو الاعتراف بالمشكلات، والعمل على إصلاحات جادّة فغير مطروح إلا كلامياً. نظام المحاصصة الطائفية الذي بني عليه العراق منذ مرحلة الاحتلال الأميركي، طبيعة الحكومات التي شكلت، وشبكة المصالح التي أُرسيت، عوامل تعيق أي خطوة جادّة في هذا الاتجاه، وتهدد بشل البلد مع كل بادرة تغيير.
لا يكفي أن يكون رئيس الوزراء الحالي، عادل عبد المهدي، يدرك ذلك، لأنه يعي تماماً كيف وضعت تظاهرات البصرة في العام الماضي حدّاً لطموحات سلفه حيدر العبادي بالحصول على ولاية ثانية في رئاسة الوزراء، سيما بعد فشله في تحقيق أيٍّ من وعوده الإصلاحية. وقد لا يكون مصير عبد المهدي مغايراً، أخذاً بالاعتبار الظروف التي رافقت تسميته لرئاسة الوزراء والأشهر الطويلة التي عانى فيها لملء الشواغر في بعض المناصب الوزارية. ويضاف إلى ذلك كله الوضع الإقليمي الملتهب، وتحول العراق إلى ساحة للمواجهة الإيرانية – الأميركية قد تكون مرشحةً لمزيد من التصعيد.