تسييس الخراب
لم يفلح هول الكارثة التي عاشها ويعيشها السوريون والأتراك بعد الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سورية في إبعاد السياسة عن مشهد الخراب الكبير الذي ألمّ بالبلدين، فدخلت بأشكال وتوظيفات مختلفة، بدءاً من المساعدات مروراً بالانتخابات الرئاسية التركية وصولاً إلى تعويم نظام بشار الأسد.
تسييس لم يقتصر على السوريين وقضيتهم، وإن كانوا الطرف الأكثر تضرراً منه. ضرر بدأ مع المساعدات ووصول فرق الإغاثة الذي تم التلكؤ فيه من قبل أطراف دولية من المفترض أنها راعية للاجئين السوريين، بذريعة الخشية من وصوله إلى أيادي المسلحين في الشمال السوري، إضافة إلى تأخير فتح معبر باب الهوى الواصل بين تركيا وسورية، الأمر الذي ساهم في ارتفاع عدد القتلى في الشمال، وهو عدد من المرتقب أن يزيد بعد مضي نحو أسبوعين على الزلزال وعدم إزالة الكثير من الأنقاض، وفي ظل جهل العدد الحقيقي للمفقودين الذين لم تصدر أرقام رسمية حولهم.
رئيس النظام السوري بشار الأسد كان أكثر اللاهثين وراء الاستفادة من الكارثة، وهو ما حصل عليه، ولم يستطع إخفاء ضحكاته وسط أنقاض منازل السوريين المنكوبين، ولم يستح من التقاط صور سيلفي هو وزوجته مع سوريين كانوا في موقع الكارثة. الأسد ونظامه ومن اليوم الأول عمدوا إلى محاولة تغيير الكارثة لصالحهم، وتعنتوا في إيصال المساعدات التي وصلت إلى دمشق للمناطق المتضررة بشكل حقيقي من الزلزال، وهي الخارجة عن سيطرة النظام. الأمر ربما يتواءم مع نظرية الأسد عن "الشعب المتجانس" التي أطلقها قبل سنوات في شرحه لتأثير عدد القتلى والمهاجرين السوريين على وضع البلد. وفق نفس النظرة، هو لا يرى هؤلاء الموجودين في الشمال سوريين، أو على الأقل يراهم غير متجانسين مع الشعب الذي يريده، لذا لا بأس بموتهم. الأمر ذاته نفذه وزير خارجيته فيصل المقداد في مفاوضاته مع المؤسسات الدولية التي أرادت إيصال المساعدات عبر دمشق، إذا اشترط مرورها عبر النظام وليس غيره.
النظام وجد في الكارثة فرصة لتعويمه وإعادته إلى الساحة الدولية، وهو ما حظي به مؤقتاً عبر الانفتاح الذي أبدته دول كثيرة على النظام السوري في إطار المساعدة في تخفيف هول الزلزال، رغم أن دمشق أغلقت الباب على أي وسائل إعلام، غير تلك الحكومية، لنقل واقع الضرر الذي أصاب المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، وبالتالي احتكر المعلومة للتجارة سياسياً واقتصادياً بها في الاتصالات الدولية التي تلقاها، والزيارات التي كثرت إلى دمشق في الآونة الأخيرة، وكان آخرها لوزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، إضافة إلى رفع تونس مستوى التمثيل الدبلوماسي في سورية بعد طول انقطاع.
مع ذلك، فإن التعويم الذي يسعى إليه الأسد لا يزال بعيداً في ظل العقوبات الأميركية وفق "قانون قيصر"، والتي علقت بشكل مؤقت ولفترة محدودة لتسهيل وصول المساعدات إلى الشعب السوري. كذلك فإن ما شهدته الأيام الماضية من استغلال للمساعدات، وتسربها إلى الأسواق لتباع "على عينك يا تاجر" من المفترض أن تظهر، للدول التي بادرت إلى حسن النية تجاه النظام، أن الأخير ليس أهلاً للثقة، ولا فائدة ترجى من الانفتاح عليه.
التسييس أيضاً كان على الجانب التركي، مع التوظيفات التي قامت بها المعارضة للكارثة وتجييرها لحساب الانتخابات الرئاسية الحاسمة، والتي كانت مقررة في مايو/أيار المقبل، غير أن مصيرها اليوم بات مجهولاً. فرغم حجم المصاب، عمدت أطراف المعارضة إلى كيل الاتهامات إلى النظام بتأخير المساعدات وإهمال البنى التحتية، في الوقت الذي كان الأتراك والسوريون في جنوب تركيا عالقين تحت الأنقاض، أو يفترشون العراء بانتظار مأوى.
رغم كل قصص المأساة التي بدأت تخرج من الناجين الذين فقدوا الكثير من أحبائهم، والتي تدمي القلوب لتفاصيلها، إلا أن ذلك لم يمنع تجار الأزمات والمستثمرين في الوجع من الارتقاء على أنقاض الخراب.