تدخل إسرائيل في الاتفاق النووي
يعود اسم مفاعل ديمونا النووي الإسرائيلي إلى مانشيتات الأخبار الرئيسية، بإعلان إسرائيل عن الصاروخ السوري الذي سقط، بغير قصد، بالقرب من تلك المنشأة المثيرة للجدل. ويأتي خبر إطلاق الصاروخ طريفاً بعض الشيء. فالجهة التي أطلقته لم تُعلن ذلك، ولا تدري عنه شيئاً، لكنّ الإسرائيليين متأكّدون أنّ الجانب السوري قد أطلق الصاروخ، ومن طريق الخطأ. على الرغم من ذلك، تردّ إسرائيل بعنف واضح من خلال الهجوم على مواقع عسكرية وقواعد صواريخ ومضادّات جوية سورية، واستحكامات محصّنة تحت الأرض تنشئها إيران وتديرها. وذلك كله في سياق الرد على صاروخٍ ضلّ طريقه. يمكن الربط بين اسم المفاعل الإسرائيلي والمباحثات التي تجري ببطء في فيينا بين إيران ومجموعة الدول المهتمة ببرنامجها النووي، والأخبار المتفائلة التي تصدر عنها بين حين وآخر. ويمكن إدخال عامل أمني إضافي متعلق باختراق إسرائيل نشاطاتٍ نووية، وهو الهجوم على مفاعل نطنز الإيراني، ومن قبله اغتيال عالم إيراني على علاقة ببرنامج بلاده النووي، نستطيع خلط هذا الكوكتيل النووي المترابط والمتزامن والتعامل معه على أنّه رزمة واحدة.
تحاول إيران أن تكون على مقربةٍ مؤذيةٍ من إسرائيل، وقد كانت الحرب السورية مناسبةً لذلك. وعلى الرغم من كلّ ما حدث من تفاهمات، لإبعاد إيران، لكنّها ما زالت تحتفظ برأس جسر قريب من إسرائيل، يمكِّنها حتى من التحرّش النووي، وهذا لا يعني أنّ الصاروخ المخطئ مكيدة إيرانية. لكن، وإن صدّقنا نظرية الخطأ، فهذا يعني أنّ هناك صواريخ "سورية" لديها القدرة اللوجستية على اختراق القبة الصاروخية التي تحمي إسرائيل من قذائف الجوار بعيدة المدى. وبما أنّ التهديد، مقصوداً كان أو غير مقصود، قد اقترب من أعزّ ما تملكه إسرائيل، فالتعامل معه سيتجاوز رد الفعل الآني قصير المدة، ويمكن أن تعمل إسرائيل على إبعاد كلّ وسائط الإطلاق القريبة من الحدود إلى مسافةٍ كافية لحماية هذا النوع من المنشآت بشكل خاص، فالمنشآت النووية الإسرائيلية هي أجسام بمنتهى الحساسية لأمنها الاستراتيجي.
تعتمد إسرائيل سياسة الغموض النووية، وذلك باتخاذ موقفٍ رمادي، فلا تعترف بوجود أسلحة نووية أو برامج خاصة بها، ولا تنفي أيضاً، مع المحافظة على إطلاق تصريحات حكومية مدروسة، تجعل الشكّ يتزايد بشأن الموقف، والظلال تزداد قتامة من حقيقة الأمر، وكأنّ إسرائيل ترغب أن تٌثار حولها زوابع الشك المصحوب بالخوف والحذر، على الرغم من أنّها تعترف بوجود مفاعل نووي في صحراء النقب تحت اسم ديمونا، لكنّها تقول إنّه مخصّص للأغراض السلمية وإنتاج الطاقة اللازمة لاستصلاح الأراضي المجاورة واستثمارها، وقد تكون فضيحة الخبير الإسرائيلي، مردخاي فعنونو، الذي أفشى أسراراً نووية إسرائيلية، عام 1985، أكبر عملية تسريب لمعلومات عن خطط إسرائيل الذرية. وقد يكون ما حصل للخبير بعد ذلك، حين اختطف وأخضع لمحاكمة في إسرائيل، قضى بعدها سنواتٍ طويلة في السجن، معظمها في الانفرادي، يعزّز القناعة بأنّ إسرائيل تمتلك سلاحاً نووياً. وتزداد هذه القناعة بإصرارها على رفض الانضمام إلى المعاهدة الدولية لمنع انتشار الأسلحة النووية، وبالتالي عدم خضوع منشآتها للتفتيش النووي.
سياسة الغيوم الداكنة التي تعتمدها إسرائيل تؤكد التفوق النووي الإسرائيلي. واستمرار التفوق معناه الوقوف في وجه أيّة قوة أخرى في الإقليم تفكّر في امتلاك سلاح نووي. وحادثة ديمونا لا تلفت النظر إلى أسلحة إسرائيل النووية فقط، بل تلفت إلى حرصها الكبير على المحافظة على هذا الامتياز، من خلال ردّها العنيف على الصاروخ المخطئ، لمنع تكرار هذه المحاولة، ولدى إسرائيل ما يكفي من "أذونات" الدخول الحرّ الروسية لتفعل بالأراضي السورية ما تريد، وبردّها العنيف المبالغ به تعبّر عن شكل تدخلها في الاتفاقية النووية التي ستوقّع مع إيران في فيينا.