تحيا مصر

26 اغسطس 2014

علم مصر في ميدان التحرير أثناء ثورة يناير(أرشيف/ GETTY)

+ الخط -

يستطيع الجنرال، عبد الفتاح السيسي، أن يكره أياً من وسائل الإعلام، بما فيها "العربي الجديد"، تحت أية أعذار ومسميات، لكنه يجب أن يحتفظ بتهمة محاولة تدمير مصر، أو على الأقل بجزء كبير من هذه المهمة، لنفسه وسياساته، لأن دمار مصر هو دمارنا جميعاً.

عن نفسي، أقول إنني منحازة إلى مصر وإلى دورها، ولا أرى أي دور بديل في المشرق ولا في المغرب لمصر، ربما لأنني تربيت على كرامة رفض الخنوع في لهجة الرئيس، جمال عبد الناصر، وربما لأنني حفظت أشعار أحمد شوقي، والتهمت صفحات روايات طه حسين ونجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس، وما قبلهم وما بعدهم، ربما لأن شعاع الفكر أنار عقلي في كتب محمد عبده وقاسم أمين .

لا أستطيع أن أتخيل كينونتي الذهنية والنفسية من دون سيد درويش وأم كلثوم، لا أستطيع أن أتخيل كينونتي الفكرية، من دون محمود أمين العالم وعبد العظيم أنيس وسمير أمين، وصدقت دائما أن من يشرب من نهر النيل لا يستطيع إلا العودة إليه، وأن مصر أم الدنيا، وإن كنت لم أعترف، أو أكترث أبداً بمن يكون أباها.

أعترف بأنني، منذ طفولتي، مبهورة بمصر، كنت أرى الأهرامات أعجوبة الدنيا الوحيدة، وفي طفولتي كان السد العالي رمزاً لقدرتنا على النهوض والنهضة، وأغرمت بالفلاح المصري، عملاق أرض سمراء سخية، ولم تلهب أغنية عاطفية خيالي مثل "سيرة الحب" و"إنت عمري"، ولا صوت أنقذني من ثقافة الاستسلام، مثل صوت الشيخ إمام.

الخط الفاصل في تكويننا النفسي والثقافي، بين الحقيقة والأسطورة، رفيع جداً، لكن، أحياناً ذلك لا يهم، ففي حال مصر، كنت أرى حاضري وتاريخي واستمراري في عراقة تاريخها، لذا، فجيعتنا بكامب دافيد لم تكن سياسية فحسب، بل شكلت لكثيرين منا أزمة وجودية.

إخراج مصر من معادلة الصراع الصهيوني العربي أضعفنا وأنهكنا جميعا، وكان أكبر ضربة قاسية للقضية الفلسطينية، بعد خسارة أرض فلسطين، لكنه كان أيضاً ضربة لوعي جمعي وفردي، يرى في مصر عصارة هويتنا، ولا أشك لحظة في أن من خطط لكامب ديفيد، كان يفهم تماماً أبعاد الضربة السيكولوجية لنا، لأن انتزاع رمزية مصر شرط لزرع ثقافة الاستسلام والهزيمة.

لذا، كان اندفاعنا الروحي إلى "ميدان التحرير" من دون حدود، فإذا كانت تونس أنارت الشعلة، فإن ثورة يناير/كانون الثاني كانت عودة الروح، التي اعتقدنا أنها هوت فينا؛ ثورة "عيش، حرية، عدالة اجتماعية"، أحيت الأمل والحلم والعزيمة، فبدا كل شيء ممكناً، من بناء مجتمع أفضل إلى تحرير فلسطين.

هذا ليس كلام أحلام في الهواء، بل لأن حرية الشعوب العربية هي من حرية فلسطين، وحرية فلسطين من حرية الشعوب العربية، فالنهوض قوة، ومصر قوية بشعبها وقدراتها، هي دعم لأهل فلسطين، ونموذج لعالم عربي جديد متحرر من الخوف والقمع وبساطير الأنظمة.

أعترف بأنني لم أرد حكماً إسلامياً في مصر، فلم تكن الدولة الدينية، ولن تكون، تعبيراً عن الحلم بالعدالة أو الحرية، لكن 3 يوليو/تموز لم تكن الحل، بل عنواناً للثورة المضادة، وعودة للنظام القديم بتحالفاتٍ جديدة أكثر شراسة، ونذيراً ببدء عهد بطش وقمع، سكت عليه كثيرون للأسف، باسم هزيمة الإسلاميين، وبدأ يصل إلى أصوات علمانية ويسارية وليبرالية، وحملة الدم لم تنته.

فإذا كان الهدف "إنهاء الإرهاب" ضد الجنود المصريين، ولا يهون لنا واحد منهم، هل الجواب الانتقام من المعارضة، بدلا من المحاكم الشفافة العادلة؟ هل تبرير المذابح ودعم أصوات إعلامية فاشية، بما في ذلك من تدمير قيمي، هو بناء لمصر قوية؟

أما عن القضية الفلسطينية، فإذا كانت ليست أولية، فماذا عن الخطر الإسرائيلي على أمن مصر نفسها؟ اكرهوا حماس كما شئتم، لكن، لا لتقزيم دور مصر إلى مهمة تدمير أنفاق، وإلى إغلاق معبر رفح على شعب محاصر بقذائف الموت، براً وجواً وبحراً.

أعترف مجدداً بأنني منحازة إلى مصر، ولا أرى حتى منافساً لها، لأن دور مصر لا يختزل في دور وظيفي، تتنافس عليه أنظمة لإثبات أهميتها للسيد الأميركي، فمصر أكبر وأعظم من أدوار صغيرة، فيها تقزيم لمصر وتاريخها. لذا، أسأل من هو الذي يدمر مصر يا سيادة السيسي؟