تبرير العدوان والأسئلة المؤجّلة
إذا كانت النخب أو الأوساط السياسية والعسكرية في أميركا وإسرائيل تنشغل بسؤال: "ماذا بعد إسقاط حكم حركة حماس" في القطاع، وتتعاطى معه على أنه يقين متحقّق مهما استغرق من وقت، أسابيع أو حتى أشهراً، فإنّ أسئلة أخرى يُفترض أنها قد بدأت تتسلّل إلى الغرف المغلقة، أخطرها ما يرتبط بتداعيات هذا النهج الذي اختارته دول غربية عدّة. والحديث هنا ليس فقط عن الانحياز الفاضح لإسرائيل، إذ لا يفترض أن يكون هذا الأمر "مفاجئاً"، بل الحديث عن منح ضوء أخضر لإبادة شعب بأكمله وإسباغ مبرّرات لوحشية الاحتلال.
خلال جلسة اجتماع أمام مجلس الشيوخ في الكونغرس الأميركي، انبرى مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي كريستوفر راي، قبل أيام، للحديث عن خطر تعرّض أميركا لتهديدات محتملة. وتحدث عمّا قال إنه احتمال أن "يستمدّ متطرّفون عنيفون الإلهام من الأحداث في الشرق الأوسط لتنفيذ هجمات ضد الأميركيين". وتوقف عند ما قال إنه الإيعاز "بتهديداتٍ لم تُر منذ دشّن تنظيم الدولة الإسلامية الخلافة قبل سنوات".
لا شك في أن ما جرى في 7 أكتوبر/تشرين الأول حدث مؤسّس، فما قبله ليس كما بعده على صعد عدّة. وكل طرف/ فرد يمكن أن يُنظّر له من منظوره، سواء أكان يرى أن عملية طوفان الأقصى ردّ فعل مشروع ضد محتل، وإن كانت شابتها أخطاء وثغرات اعترفت بها "حماس" على استحياء، أو يعارض الحركة ويعتبرها "مجموعة بربرية"، أو يؤيد إسرائيل وينظر إليها أنها "ضحية". تماماً مثل ما كان 11 سبتمبر/ أيلول 2001 والانتقام الأميركي بعده مؤسّساً لحقبة تاريخية، بعدما قاد إلى غزو أفغانستان والعراق.
يومها، برز السؤال الشهير: لماذا يكرهوننا؟ وتحوّلت محاولة الإجابة عن هذا السؤال إلى مناظرات وكتب وأوراق لا تعدّ ولا تُحصى، حضرت فيها الفرضيات من مختلف التوجّهات. لكنها لم تكن كافية لا لفهم الحدث وخلفيته، ولا لتغيير السياسات على نحو أفضل، بل جرت حروبٌ إضافية، وزخّمت "صراع الحضارات"، واستولدت ويلاتٍ لا تزال ماثلة.
وتكرّر السؤال في أوروبا بعد سلسلة من الاعتداءات الدموية التي هزّت مجموعة من بلدانه. وغداً أيضاً، قد يحضر السؤال في الغرب مجدّداً: لماذا يهاجموننا ويكرهوننا؟ وبعيداً عن "هم" و"نحن"، فإن الاستسهال في وصم "حماس" بالإرهاب والدعشنة يحمل، في طياته، مخاطر عدّة تتجاوز فلسطين والقضية الفلسطينية، التي يخطئ من يعتقد أنها ستنتهي بالقضاء على الحركة أو أي فصيل فلسطيني. ويخدم هذا الاستسهال، بالدرجة الأولى، التنظيمات المتطرّفة من "داعش" إلى "القاعدة" إلى كل من يرتبط بهما في العالم. وليس مبالغة القول إن ما يقوم به ساسة الغرب يقدّم هدية مجانية لهذه الجماعات.
يكاد لا يخلو مركز أبحاث غربي من ورقة عملٍ أو تقدير موقف يتناول أساليب التجنيد واستراتيجياته التي تتبعها التنظيمات المتطرّفة. مثلا، يرى تقرير عن ورشة عمل نظّمها مركز كارتر لـ"خبراء معنيين بمقاومة حملات داعش الدعائية المغرضة للاستقطاب"، وتعود إلى مارس/ آذار 2016، أن "التطرف لا يولد مع الإنسان بل يجرى تلقينه إياه"، وأن "تنظيم داعش يسعى إلى إطلاق نداءاتٍ عاطفية والتلاعب بمشاعر الشباب". ويركّز التقرير على صراع الحضارات وعلى توسيع الهوّة بين الغرب والإسلام وإيجاد البيئة المؤاتية للتطرف. وتطرّق أحدهم، في التقرير نفسه، إلى الأسباب الكامنة وراء الانضواء تحت لواء التنظيم، موضحا أنه تبين أن قرارات الذين ينضمون إليه ترتكز على العاطفة عوضاً عن المنطق، وأن معظم الشباب يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة جرّاء مشاهد عنيفة، لا سيما معاناة الآخرين. وخلص التقرير يومها إلى أن المناقشات الدائرة بشأن الطرق الفضلى للتعامل مع أيديولوجية التنظيم العنفية سطحية.
لن يكون مفاجئاً أن تستغلّ الجماعات المتشدّدة الإجرام الإسرائيلي ضد سكان قطاع غزّة لإطلاق موجة تجنيد واستقطاب، وحتى تنفيذ اعتداءاتٍ في العالم، بعدما هيأ مسؤولون في الغرب بأنفسهم الأرضية لذلك.