بين التصعيد والتهدئة تفقد إسرائيل قدرة الردع

12 يوليو 2014

عناصر من كتائب القسام في استعراض (نوفمبر/2013/الأناضول)

+ الخط -

كل احتمالات التصعيد العدواني على غزة واردة، فليس هناك ما يرجح احتمالاً على آخر، فالتصعيد التدريجي لم يكن في حسبانه خوض حرب مفتوحة، لا لدى حكومة نتانياهو، ولا لدى فصائل المقاومة. وكل ما في الأمر أن مسألة الردع المتبادل بين الطرفين هي التي حكمت، وتحكم، مسار التصعيد العسكري؛ بانتظار إقرار صيغة تهدئةٍ ممكنةٍ، من دون أية شروط، لا إسرائيلية ولا فلسطينية. وبالتالي، خلو المساعي الإقليمية من أية اشتراطات، سوى العودة إلى حال التهدئة، كما كانت في السابق؛ مع تقليم قوة العظام السياسي والعسكري لدى الجانبين.
على الرغم من ذلك، وعلى سبيل الإحاطة بالأمر من كل جوانبه، ذكر جيش الاحتلال الإسرائيلي أنه استدعى نحو 20 ألفاً من قوات الاحتياط، استعداداً لهجوم بري محتمل في قطاع غزة. وقال المتحدث باسم الجيش، بيتر ليرنر، إن الهجوم البري لا يزال "ملاذا أخيراً"، وإن إسرائيل ما زالت تدرس إيجابيات مثل تلك الخطوة وسلبياتها.
وعلى الرغم من هذا التقييم، ذهب المحلل السياسي المقرب من المنظومة الأمنية الإسرائيلية، ران أدلست، في صحيفة معاريف، الأربعاء الماضي، إلى أنه "لا يمكن لحكومة مفككة ومشتتة (حكومة نتانياهو) اتخاذ قرار بالدخول في عملية عسكرية برية إلى قطاع غزة، حتى ولو كان هناك إجماع على القرار". علاوة على أن "قراراً كهذا نابع من تفكير غير عقلاني، وإن قرار الزج بقوات الجيش الاسرائيلي في قطاع غزة سيكون عديم الفائدة". وكتب المحلل العسكري، عمير ربابورت، إنه يأمل ألا يدخل الجيش الاسرائيلي في عملية عسكرية برية إلى القطاع، لأن احتمالات التورط كبيرة، ولأن الجيش لم يجهز نفسه لفترة طويلة مثل عملية الرصاص المصبوب عام 2008-2009. وكتب المحلل، عاموس هرئيل، في صحيفة هآرتس، أن إسرائيل لا تريد مواجهة عسكرية واسعة مع حماس، على الرغم من أن الحركة تعيش في ضائقة استراتيجية، لكنها تمسك بزمام الأمور في هذه الجولة، وإسرائيل تنجر، رويداً رويداً، إلى صدام عسكري لا ترغب فيه، "ولا نريد الاستمرار في التجربة المريرة لنزوح ثلاثة ملايين إسرائيلي نحو الاحتماء في الملاجئ، خشية الإصابة بالصواريخ المنطلقة من غزة".
وكان المجلس الوزاري قد قرر القيام بحملة عسكريةٍ بشكل تدريجي، فيما خيار إدخال قوات برية في هذه المرحلة يقتصر على احتلال مواقع، يطلق منها الصواريخ، وتدمير مخازن صواريخ، وتدمير القدرة على إنتاج الصواريخ، والسيطرة على محاور الحركة في قطاع غزة لعرقلة تحركات الفصائل الفلسطينية، والتي قد تصل إلى حد تقسيم قطاع غزة إلى أقسام منفصلة عن بعضها.
وفي هذه المرحلة، لا يجري الحديث عن احتلال مؤقت لقطاع غزة، وعن إدخال قوات برية ومدرعات إلى داخل البلدات الفلسطينية في القطاع. ونقل عن مصدر أمني قوله إن تفعيل هذه السيناريوهات سيكون تدريجياً ومرتبطاً بتحقيق أهداف سلاح الطيران، كما هو مرتبط بشكل الرد الذي تلجأ إليه حركة حماس.
وأدرك المحلل العسكري الإسرائيلي، عاموس هرئيل، عيوب العملية العسكرية، فانتقد الجيش الذي اتهمه بأنه بات أعمى لا يميز، وكالثور يضرب في الهواء، فليست لديه أهداف يقصفها، ولا يملك أي معلوماتٍ، تساعده على تحديد أماكن منصات إطلاق الصواريخ، أو التعرف على مطلقيها، واستهدافهم، ولهذا، بدأ يستهدف البيوت السكنية والأهداف المدنية، ما تسبب في مضاعفة أعداد الضحايا المدنيين في القطاع. وذكرت صحيفة هآرتس أن هناك أضراراً اقتصادية هائلة لحقت بالكيان الإسرائيلي، بسبب تواصل إطلاق الصواريخ على كل مدنها، انطلاقاً من غزة. وأضافت أن مناطق كثيرة في البلاد بدأت تدخل سوق القصف، بعد أن أصبحت صواريخ
المقاومة تصل إلى كل مكانٍ، من دون تنبيهٍ مسبق، أو توقعاتٍ معقولة، فكل "إسرائيل" أصبحت في مرمى نيران صواريخ القسام، وفشلت القبة الحديدية في اعتراض الصواريخ التي أطلقت على مناطق جنوب ووسط وشمال البلاد، بينما كان المواطنون يظنون أنها ستسقط كل الصواريخ، وأن أحداً منها لن يفلت من المنظومة التي تكلفت مليارات الدولارات على أبحاث القبة الحديدية، وأعمال المراقبة والمتابعة والرصد. وفي النهاية، جاء الحصاد ريحاً، وتساقطت الصواريخ كالمطر على كل البلدات، بل إنها أوجدت واقعاً مغايراً عما سبق، وأخطر مما كان.


وبحسب يوآف ليمور (إسرائيل اليوم 8/7/2014)، فإنه، وعلى الرغم من الغضب العام والسياسي، وطلب الرد الواسع، لا توجد في إسرائيل، الآن، نية الخروج في عملية واسعة في غزة، بدليل استمرار الاتصالات غير المباشرة التي ترمي إلى محاولة إحراز تهدئة، على الرغم من كل شيء. ويبدو ذلك الآن بلا أمل، والجهد الرئيس هو لمنع اتساع دائرة القتال وراء خط الأربعين كيلومترا: فحماس حذرة، إلى الآن، ألا تطلق صواريخ على "غوش دان"، لكن الأمر قد يتغير، إذا زاد عدد المصابين في القطاع، بسبب هجمات سلاح الجو. وقد يكون للمصابين في الجانب الإسرائيلي، أيضاً، تأثير كبير في مسار اتخاذ الحكومة للقرارات.
أخيراً، هناك من يرى أن حملة "الجرف القوي" ليست الحل. فبحسب إيتان هابر (يديعوت أحرونوت 9/7/2014)، فإن الإسرائيليين يحتاجون زعماء ملائمين لروح العصر. يفهمون أنه لا توجد حرب واحدة تنهي كل الحروب. زعماء يعرفون أنه، في معظم الحالات، لا توجد اليوم ضربة قاضية في نتائج الحرب. لعل فيها أشواقاً لنتائج حرب الأيام الستة، ولكن مثل هذه الحرب لن تعود. جيوش أكبر من الجيش الاسرائيلي تنهي في هذه الأيام حروباً في أرجاء العالم، مع علامات استفهام. لم تعد على ما يبدو علامات تعجب في نهاية الحرب. هذا هو الوضع، حتى لو كنا نرغب في التنكر له. إذن، ما الحل؟ المعرفة المريرة أنه لا يوجد على ما يبدو حل عسكري، وانتهت عهود "ضربة واحدة وانتهينا". الحل سيكون سياسياً؟
 هكذا، بات الأمر مع حروب إسرائيل التي لم تعد مجرد نزهة، في أراضي العدو، بل صارت المواجهات تجري على امتداد مواقع العدو نفسه، أي على امتداد الأراضي الفلسطينية المحتلة، حتى بات الشوق لنتائج مماثلة لحرب الأيام الستة من أحلام من فقدوا، ويفقدون، الأمل باستعادة مثال القوة والردع الذي كانته إسرائيل يوماً. وفي كل الأحوال، يبقى التصعيد يسابق التهدئة، والتهدئة تسابق التصعيد؛ مع أن ما بينهما خطاً عريضاً من دم.

47584A08-581B-42EA-A993-63CB54048E47
ماجد الشيخ

كاتب وصحفي فلسطيني مقيم في لبنان. مواليد 1954. عمل في الصحافة الكويتية منذ منتصف السبعينات إلى 1986، أقام في قبرص، وعمل مراسلا لصحف عربية. ينشر مقالاته ودراساته في عدة صحف لبنانية وعربية.