بوتين ونهاية الحرب في أوكرانيا
تقترب الحرب الروسية على أوكرانيا من إكمال عامها الثاني، من دون وجود أفقٍ واضح لشكل نهاية هذه الحرب، وخصوصاً بعد وقوع متغيّرات كثيرة مؤثرة في العالم، كالحرب في غزّة وتداعياتها على الشرق الأوسط، ودخول الولايات المتحدة عام انتخاباتها الرئاسية، ومرشّحَاها الأساسيَّان تلعب الأحكامُ القضائية دوراً قوياً في تحديد مصيرهما، وكان الحديث عن هجوم روسي شتوي وهجوم معاكس أوكراني يتكرر عبر الأشهر الـ22 التي انقضت من عمر هذه الحرب. وفي الأشهر الأخيرة، بعد مراوحة الهجوم المعاكس الأوكراني في مكانه، تحوّلت الحرب إلى استنزافٍ لا تكاد تتغيّر فيه خطوط التماسّ إلا بضع خطواتٍ تقدّماً أو تراجعاً. وقد ساعدت الحرب في غزّة على شل التقدّم الأوكراني، بعد أن تباطأت المساعدات العسكرية الغربية، وبدأت جماعات ضغط أميركية تجد تفاعلاً في أوساط الكونغرس، حتى أوقفت باقات المساعدة الموجهة إلى أوكرانيا، وتراجع الحديث عن إرسال مزيدٍ من الطائرات الأميركية الحديثة. في هذه الأجواء المتعثرة التي تسود الجبهات، يقرّر بوتين قبل أيام توجيه أكبر هجوم جوي نحو أوكرانيا، بمقذوفاتٍ نارية يتجاوز عددها المائة، موجّهة نحو البنية التحتية الأوكرانية من دون استثناء المواقع الصحية أو مراكز الإيواء. عكَس عنفُ الهجمة وهمجيّتها رغبة روسية في متابعة هذه الحرب، وإصراراً على تحقيق أهدافها، واستعداداً لإطالة أمدها من دون سقف، مع نية مبيَّتة لاستهداف أي شيء داخل أوكرانيا من دون تمييز.
ستحلّ الذكرى الثانية لشنّ هذه الحرب في الـ24 من الشهر المقبل (فبراير/ شباط). وفي الـ17 من مارس/ آذار سيحلّ موعد الانتخابات الرئاسية الروسية، وكان من المفترض أن تكون الولاية الحالية التي بدأت في عام 2018 آخر ولاية للرئيس الحالي، ولكنّ عبثاً بوتينياً بالدستور سمح له بالبقاء حتى عام 2036، والمفترض أن يكرّس بوتين هذه الانتخابات لنفسه، بعد أن استكمل كل إجراءاته ضد المعارضة الجادّة التي يمكن أن تشكّل أي تهديدٍ له، فوضع بعض قياداتها في السجون، وأبعد آخرين إلى القطب الشمالي، وكان قد تخلص، بطريقة مافيوية، من زعيم مليشيا فاغنر، يفغيني بريغوجين، الذي قاد تمرّداً قصيراً، انتهى بمصالحة مشكوك فيها، ليتحوّل بعدها إلى جثة مشوهة، وبذلك سيضمن بوتين لنفسه ست سنوات مقبلة على الأقل، سيحاول فيها إثبات صواب قراره في بدء الحرب على أوكرانيا، لا سيما أن الانتخابات ستشمل الأقسام التي ضمّها من أوكرانيا، وبذلك سيكرّس ما حصل عليه من أراضٍ، وما قرّره خلال تلك الحرب، بإسباغ صبغة قانونية على الأراضي الأوكرانية الشرقية، والإجهاز عليها بضمّ سكّانها إلى جمهور منتخبيه. جعل بوتين الحرب على أوكرانيا موضوعاً رئيسياً في حملته للبقاء رئيساً، فقد أوقف الهجوم الأوكراني المعاكس وباشر هجومه الشخصي، ولم يكترث بصعوبة الشتاء، ووجد مع قدوم العام الجديد فرصة مناسبة لإظهار كثيرٍ من القوة بموجة قصفه العنيفة.
لا توجد شكوك بشأن نتائج الانتخابات الروسية، مهما كان سياق الحرب الأوكرانية في الشهر المقبل، فبوتين، الذي بقي في السلطة طوال العشرين عاماً الماضية، سيداعب الأحلام القومية للروس، ويبالغ في تقدير انتصاراته الجزئية، وقد أصدر أخيراً قراراً بمنح الجنسية الروسية لكل من وقّع عقداً للمشاركة العسكرية في الحرب، وهو من خارج روسيا، ولا يقتصر منح الجنسية على المقاتل، بل يشمل كل أفراد أسرته! بحيث يغطي مثل هذا القرار على الأزمة التي نشأت عقب الإعلان الجزئي لتعبئة الشبان الروس. ويجد بوتين مصدراً آخر لتموين القوات المسلحة في حال إحجام مواطنيه عن المشاركة، وهو بذلك يتجاوز أزمة يمكن أن تنشأ في المستقبل، في حال احتاجت الحرب لمزيد من المقاتلين، من دون أن يخوض في مجابهة مع الشارع الروسي، وربما تجب الإشارة إلى أن الوجود المؤكّد لبوتين في السلطة يجعل نهاية الحرب أمراً غير مؤكّد.