بدون مبالغة
فاجأنا محرّك غوغل باحتفائه بذكرى ميلاد الممثلة المصرية الراحلة كريمة مختار، والتي أجادت تقديم دور الأم بجدارةٍ خلال تاريخها الفني، وحيث ظلّت طوال مسيرتها الفنية تقدّم دورا قريبا من القلوب، بحيث دخلت البيوت ليست المصرية فقط، ولكن العربية بشكل عام، وكان أجمل أدوارها الأخيرة في مسلسل رائع بكل المقاييس، وحيث تفوّقت على البطلات الأساسيات فيه، وهو "يتربّى في عزّو"، حيث قدّمت دور "ماما نونا" التي تظل تدلّل ابنها الذي يبلغ الستين عاما. وقد حصد هذا الدور إعجاب المشاهدين قاطبة، وظلت حادثة موتها وموقف الابن المدلّل بعد وفاة أمه حديث الشارع العربي، وقد تزامن هذا مع حلول عيد الفطر، والذي لم يمنع انشغال المشاهدين به، وتصدّره أهم الأخبار المتداولة كحدث عادي شغل الناس، وليس حدثا فنيا.
تفوّقت كريمة مختار في أداء دور الأم والزوجة البسيطة التي تجدها في كل بيت تقريبا، ومثلت نموذجا للحنان والطيبة والبساطة، والتي تبذل كل الجهد لسعادة عائلتها وراحتها، ولو على حساب نفسها، وفي الوقت نفسه، هي الزوجة الرفيقة في الأوقات الحلوة والمريرة. ولا يمكن أن ننسى دورها مثلا في مسرحية "العيال كبرت"، حيث ظلت حريصةً على راحة الزوج الذي يخونها وسط استياء الأبناء الناقمين على خنوعها، وهي لا ترى ذلك خنوعا، بل اعترافا بتعب الأب وجهده، وحرصا منها على تماسك الأسرة واستقرارها.
ظلت كريمة مختار نموذجا للأم في نظرنا أيضا من خلال الدراما التلفزيونية أكثر، ولا يمكن أن ننسى جلستها أمام ماكينة الخياطة التي تدار بالقدم، لكي تربّي أولادها بعد وفاة أبيهم، وذلك في مسلسل "حصاد العمر"، حتى وهي تواجه جحود اثنين من الأبناء الذين كانت تنتظر تخرّجهم وانخراطهم في العمل، لكي يقفوا بجوارها ومساعدتها.
ظلت كريمة مختار، واسمها الحقيقي عطيات البدري، الزوجة والأم النموذجية التي لا نخجل من التمثل بها، أو الاحتذاء بآرائها، وتقليد حتى حركاتها وعباراتها المحبّبة، وتقبلها الجمهور، حتى وهي تقدّم أدوارا بسيطة في نهاية مشوارها الفني. ولكن أدوارها كانت معبّرة عن واقع معيش، ولم تكن أبدا مختلفةً عن أي امرأة عربية نقابلها في حياتنا، وفي مختلف مراحل حياتها وأطوارها، حتى ظهرت مذيعة تُدعى، ياسمين عزّ، وبدأت في نشر أفكارٍ غريبة عن التعامل مع الزوج. وقد أرست كريمة مختار قبلها بكثير قواعد مسلّما بها للتعامل مع الزوج في كل حالاته؛ فقيرا وثريا وجاهلا ومتعلما ومخلصا وخائنا، ولكن ياسمين عزّ (35 سنة) تأتي، بالمناسبة، لترسي قواعد غريبة للتعامل مع الزوج. وهي تدخل النساء العربيات الساخطات والمتذمّرات دائما، والخائبات الظنون، لفشلهن في التعامل مع الأزواج في دائرة الجواري وعصورهن. وهذه العصور التي ولت واندثرت ها هي اليوم تظهر ياسمين عزّ لا تمتنع عن أن تقوم المرأة بتصرّفات من أجل إرضاء الزوج والحفاظ عليه، لا تقبل القيام بها أي امرأة تمتلك قدرا من الكرامة.
أدخلت ياسمين عزّ النساء العربيات في دائرة المشكوك في قدراتهن، لأنهن فشلن في إدارة بيوتهن، وأصبحن ينصتن لنصائح غريبة تقدّمها لهن، على الرغم من أن "ماما كريمة" قد قدّمت نماذج حقيقية وحية للمرأة التي تدير بيتها وتدبّره، مهما كانت الظروف، وتحافظ عليه في وجود الرجل وغيابه.
تدعو ياسمين عزّ إلى أفكار بعيدة كل البعد عن فطرة المرأة العربية، وتقدّم أمثلة عن حالات شاذّة لزوجاتٍ يرين أن الحياة الزوجية هي مباراة في التملّك. وعلى المرأة أن تفوز بها من خلال عودتها إلى ممارسات عصر الحريم والجواري. والحقيقة أن الرجل لا ينجذب للمرأة التي تقوم بهذا الدور، كما أنه غالبا ما يهرُب من المرأة التي تكون فقيرة المشاعر، ولكنه في أعماقه يبحث عن نموذج المرأة المحتوية، وهذا النموذج الذي قدّمته بكل جدارة الراحلة كريمة مختار، التي احتفى محرّك غوغل بذكرى ميلادها التاسعة والثمانين.