باب الهوى .. فرصة لكسر البلطجة
مطلوبٌ من مليونين وأربعمائة ألف سوري يعيشون في شمال غربي سورية أن ينتظروا بصمت موعد موتهم جوعاً وعطشاً ومرضاً، بدءاً من العاشر من يوليو/ تموز المقبل، وأن يترقّبوا باسمين، فيتو روسياً جديداً في مجلس الأمن، يغلق معبر باب الهوى أمام المساعدات. مطلوبٌ من هؤلاء أن يتعاطوا مع موتهم الحتمي بعقلانية، تماماً كما تفعل المجموعة الدولية التي تستسلم في كلّ عام لرغبات موسكو وتغلق المزيد من المعابر الحدودية الإنسانية مع سورية والعراق، وقد بقي منها واحد فقط يوشك على الإغلاق بدوره.
معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا هو البوابة الوحيدة التي بقيت للسوريين المقيمين في منطقتي إدلب وريف حلب (الخارجتين عن سيطرة النظام) لتدخل عبره المساعدات والأدوية التي تتناقص بشكل حاد. منه تعبر نحو ألف شاحنة شهرياً من دونها ستحصل "كارثة إنسانية" حتمية، بحسب تعابير منظمة الصحة العالمية. ومنذ عام 2014، استخدمت موسكو الفيتو مرات عدة لتخفيض عدد نقاط العبور. كانت أربعاً بين الحدود التركية والعراقية، وأصبحت واحدة. وهذا العام، لم تتوقف التصريحات الروسية الجازمة بأن لا تمديد لقرار مجلس الأمن فتح معبر باب الهوى أمام المساعدات، وأنّه لا بدّ لأيّ شيء يصل إلى منطقة إدلب ومحيطها من أن يمرّ عبر دمشق. الدول الفاعلة في الموضوع لزمت صمت القبور رداً على التهديد الروسي بالإبادة، ولم تخرق الصمت ذاك سوى استغاثة منظمات دولية منهكة.
أما والحال كذلك، فما هو الحل؟ روسيا نطقت بما لديها: نريد صفقة شاملة تتضمّن إلغاء قانون قيصر ودعم إعادة إعمار سورية عبر فتح صنبور الدولارات إلى سورية بلا أيّ حلّ سياسي، ووقف العمل بمجموعة واسعة من العقوبات المفروضة على دمشق وموسكو، وتحويل المساعدات من باب الهوى إلى دمشق حيث سيكون مصيرها معروفاً طبعاً. أما الطرف الآخر، الذي كان يُسمّى المجموعة الدولية الصديقة للشعب السوري، فلا كلام مفيداً عندها إلّا ترك أعضاء من النادي يتقدمون بمشاريع قرارات ستسقط بالفيتو الروسي، كحال مشروع القرار المشترك من أيرلندا والنرويج الذي يقترح تمديداً لعام إضافي لباب الهوى، وإعادة فتح معبر اليعربية (مع العراق). وفي انتظار حلول العاشر من يوليو، تتسلّى مواقع إعلامية ووكالات أنباء بتداول تخمينات من نوع أنّ مصير المعبر هو اختبار للعلاقة الروسية ــ الأميركية الجديدة، من دون أن ينتبه أصحاب التنجيم الإعلامي إلى أنّ الكرملين حسم باكراً بأنّ المطالبة بإبقاء معبر باب الهوى مفتوحاً للمساعدات، ليس إلّا "نفاقاً إجرامياً" وفق المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبيزيا.
أمام واقع كهذا، ربما وجب تذكّر ملابسات حفلة الدم الروسية في سورية (التي تسمّى دلعاً "التدخل المباشر")، ثم حقيقة أنّ معبر باب الهوى منطقة حدودية تربط تركيا بسورية. فما الذي قد يحصل برأي المسؤولين الأتراك مثلاً لو قررت أنقرة أن تعتبر شأن استخدام المعبر مسألة سيادية خاصة بها وبالطرف الآخر من الحدود حصراً، أي قوى الأمر الواقع هناك، وتفرض بالقوة استمرار دخول المساعدات تحت حمايتها، وليذهب مجلس الأمن وفيتوهاته إلى الجحيم مثلما ذهب عندما أرسلت روسيا جيشها، ذات سبتمبر/ أيلول 2015 إلى سورية، وتركت للآخرين ممارسة هواية الاستنكار وإصدار بيانات الشجب. وما الذي قد يحصل لو استعاد "المجتمع الدولي" شجاعة في وجه البلطجة الروسية، وقرّر فرض مواصلة إرسال المساعدات من خلال المعبر المذكور بالقوة أيضاً وبغطاء جوي يسهل توفيره؟ هل تقصف روسيا حينذاك قوافل المساعدات؟ ألا يدرك حكام العالم أنّ موسكو ما كانت لتقدم على أيّ مغامرة عسكرية، من سورية إلى أوكرانيا، لو شعرت فقط بأنّ لدى الطرف الدولي الآخر إرادة، مجرد إرادة بالمواجهة؟
اليوم، الفرصة مناسبة لتركيا ولبقية أطراف المجتمع الدولي لرفع التحدّي، إذ يعرفون أنّ روسيا لن تقابله إلّا بالصراخ لو توفرت الجرأة عند الطرف الآخر: فرض تمرير المساعدات الإنسانية بالقوة عبر باب الهوى مناسبة لكسر البلطجة الروسية.