انتخابات الرئاسة الأميركية 2024... قراءة في استطلاعات الرأي وأولويات الناخبين

04 سبتمبر 2024

كامالا هاريس في لاس فيجاس في 9/7/2024 وترامب في ويندهام في 8/8/2024 (Getty)

+ الخط -

يشهد سباق الانتخابات الرئاسية الأميركية، المقرّر إجراؤها في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، تنافساً شديداً بين المرشّحة الديمقراطية نائبة الرئيس الحالي كامالا هاريس، والمرشّح الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترامب. وتُظهر استطلاعات الرأي أن حملة هاريس حقّقت نجاحات كبيرة كانت محلّ شك قبل أسابيع قليلة، عندما أعلن الرئيس جو بايدن انسحابه من السباق الرئاسي في تموز/ يوليو 2024، بعد أدائه المتواضع في المناظرة الرئاسية التي جمعته مع ترامب، وتزايد المخاوف في أروقة الحزب الديمقراطي بشأن قدرته على هزيمة ترامب. وعلى الرغم من دخول هاريس السباق الانتخابي وحصولها على الترشيح الرسمي عن الحزب الديمقراطي مطلع آب/ أغسطس، أي قبل ثلاثة شهور فقط من الانتخابات الرئاسية، فإنها نجحت في بثّ الحماسة من جديد في صفوف الديمقراطيين الذين كانوا محبطين من تعثّر بايدن وسوء أدائه. 

استطلاعات الرأي

تشير غالبية استطلاعات الرأي التي أُجريت بعد المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي (19 - 22 آب/ أغسطس 2024) وحتى نهاية الشهر نفسه، إلى تقدّم هاريس تقدّماً طفيفاً على ترامب على مستوى الولايات عامة بما فيها عدد من الولايات المتأرجحة. ومع أن استطلاعات أخرى تُظهر تقدّماً طفيفاً لترامب على مستوى الولايات أو في بعض الولايات المتأرجحة، فإنها ليست بالقيمة ذاتها كمّاً ونوعاً. ولا يمكن الجزم، بناءً على الاستطلاعات المتوافرة، بمن سيفوز في الانتخابات الرئاسية، إذ يقع جلّ نتائجها ضمن هامش الخطأ، ومن المبكّر تحديد المرشّح الفائز قبل شهرين تقريباً من موعد الانتخابات، وهي فترة قد تقع فيها أحداث كثيرة تؤثّر في رأي الناخبين وخياراتهم، فضلاً عن أنه سبق أن ثبت خطأ الاستطلاعات في انتخابات سابقة، كما حدث في عامي 2016 و2022. وعلى الرغم من ذلك، لا يمكن التقليل من أهمية الاستطلاعات، بعد انسحاب بايدن وترشّح هاريس مكانه، فقد انعكس ذلك في التحول الكبير في منحاها البياني، والتي كان معظمها يُظهر خسارة بايدن أمام ترامب على مستوى الولايات عامة، بما فيها غالبية الولايات المتأرجحة السبع: ويسكنسن وبنسلفانيا وميشيغان وجورجيا ونورث كارولينا وأريزونا ونيفادا. ويفسّر بعض خبراء استطلاعات الرأي تقدّم هاريس على ترامب، أو تقليصها، على الأقل، الفارق الذي كان بينه وبين بايدن، بنجاحها في استثارة حماسة الديمقراطيين والمستقلين ذوي الميول الديمقراطية، وليس لتراجع مستوى تأييد ترامب الذي بقي ثابتًا منذ تموز/ يوليو؛ أي قبل ترشح هاريس رسميّاً. 

من المبكّر تحديد المرشّح الفائز قبل شهرين تقريباً من موعد الانتخابات، وهي فترة قد تقع فيها أحداث كثيرة تؤثّر في رأي الناخبين

وبحسب استطلاع لمؤسسة غالوب صدر في 29 آب/ أغسطس 2024، فإن ارتفاع حماسة الديمقراطيين للانتخابات بعد انسحاب بايدن وترشح هاريس رفع من متوسّط حماسة الأميركيين عامة للانتخابات إلى مستويات غير مسبوقة في الأربعة وعشرين عاماً الماضية. وبيّنت نتائج هذا الاستطلاع أن نسبة حماسة الديمقراطيين ومن يميلون إلى التصويت معهم تبلغ الآن 78%؛ أي أقل من أعلى مستوى وصلت إليه في شباط/ فبراير 2008 بنقطة واحدة، عندما كان باراك أوباما وهيلاري كلينتون يتنافسان في الانتخابات الديمقراطية التمهيدية. وتمثل هذه النسبة قفزة كبيرة عمّا كانت عليه بين الديمقراطيين ومن يميلون إلى التصويت معهم في آذار/ مارس 2024 (55%)، عندما كان بايدن ما زال مرشّح الحزب. ويفيد الاستطلاع نفسه بأن نسبة حماسة الجمهوريين ومن يميلون إلى التصويت معهم تبلغ حاليًا 64%، وهي أعلى مما كانت عليه في الربيع الماضي (59%). في حين تبلغ نسبة حماسة الناخبين الأميركيين عموماً للمشاركة في الانتخابات 69% الآن، مقارنة بـ 54% في آذار/ مارس. 

وأشار استطلاع رأي آخر أجرته "فوكس نيوز"، صدر في 28 آب/ أغسطس 2024، إلى أن الديمقراطيين أكثر ميلًا إلى دعم هاريس (96%) من ميل الجمهوريين إلى دعم ترامب (94%)، في حين يفضّل المستقلون هاريس بفارق 6 في المئة. وأشار استطلاع للرأي أجرته صحيفة نيويورك تايمز ومعهد أبحاث كلية سيينا، ونشر في 10 آب/ أغسطس 2024، أي بعد أن أصبحت هاريس مرشحة الحزب الديمقراطي، إلى ارتفاع رضا الناخبين الديمقراطيين عن مرشّحهم في ثلاث ولايات متأرجحة، هي بنسلفانيا وميشيغان وويسكنسن، بنسبة 27% مقارنةً بما كان عليه الحال في أيار/ مايو. 

الانتخابات الرئاسية لا تُحسم بالأصوات الشعبية، وإنما بعدد الممثلين في المجمع الانتخابي، وهو ما يتطلب الفوز بمعظم الولايات المتأرجحة السبع

وبحسب تحليل لعدد من استطلاعات الرأي الوطنية أجراه الموقع المتخصص في تحليل البيانات واستطلاعات الرأي FiveThirtyEight، وصدر في 27 آب/ أغسطس 2024، تتقدّم هاريس على ترامب على مستوى الولايات عامة بنسبة 3.5% وسطيّاً. إلا أن تحليلًا آخر أجرته صحيفة واشنطن بوست، ونشر بعد يوم من التحليل الأول، أفاد بأن تقدّم هاريس على ترامب على مستوى الولايات يصل إلى 2%، وأن هذه النسبة كالتي سبقتها تبقى ضمن هامش الخطأ؛ وهو ما يعني أن هاريس استطاعت أن تقلب تقدّم ترامب السابق على بايدن على مستوى الولايات بسبع نقاط (48-41%) لصالحها. وهذا التحول من نسبة تأييد بادين إلى نسبة تأييد هاريس لا يقع ضمن هامش الخطأ. ويفسر تحليل واشنطن بوست تقدّم هاريس بتوسعتها للفارق مع ترامب في ثلاث ولايات متأرجحة في الغرب الأوسط (حزام الصدأ)، هي: ويسكنسن، وتتقدم فيها بثلاث نقاط مئوية، وبنسلفانيا وتتقدم فيها بنقطتين مئويتين، وميشيغان وتتقدم فيها بأقل من نقطة مئوية واحدة. ويتقدم ترامب، بحسب التحليل نفسه، في أربع ولايات متأرجحة أخرى في المنطقة المعروفة بـ "حزام الشمس"، وهي: جورجيا ونورث كارولينا وأريزونا ونيفادا، لكنه حتى لو فاز فيها، فإنه سيحتاج إلى ولاية متأرجحة أخرى كي يتمكن من ضمان 270 ممثلًا في المجمع الانتخابي Electoral College، والفوز بالرئاسة. 

وكان استطلاع للرأي أجرته ياهو نيوز وشركة "يوغوف" Yahoo News/ YouGov، ونُشر في 27 آب/ أغسطس 2024، أشار إلى أن 39% من الأميركيين يرون أن لدى هاريس فرصة أكبر للفوز في الانتخابات، مقابل 36% لترامب. 

وعلى النقيض من تحليل واشنطن بوست، وجد استطلاع لـ فوكس نيوز أن هاريس تتقدّم على ترامب بنقطة مئوية في ولاية أريزونا، وبنقطتين مئويتين في جورجيا ونيفادا، في حين يتقدم ترامب عليها بنقطة مئوية في نورث كارولينا. وعلى الرغم من أن جميع النسب السابقة تقع ضمن هامش الخطأ، فإنها تمثّل تقدّماً كبيراً عمّا كان عليه الحال قبل أسابيع قليلة عندما كان بايدن المرشّح الديمقراطي، إذ كان ترامب متقدّماً عليه بخمس نقاط في أريزونا ونيفادا (حزيران/ يونيو)، وست نقاط في جورجيا (نيسان/ أبريل)، وخمس نقاط في نورث كارولينا (شباط/ فبراير). ويُذكر هنا أن بايدن فاز بأريزونا وجورجيا بأقل من نقطة مئوية في انتخابات عام 2020، وبنقطتين مئويتين في نيفادا، في حين فاز ترامب بنورث كارولينا بما يزيد قليلًا على نقطة واحدة. وبوجه عام، تتقدم هاريس على ترامب في متوسط الولايات الأربع السابقة بنقطة واحدة (50-49%)، وهو ما يقع ضمن هامش الخطأ. 

تواجه هاريس مشكلةً في كسب أصوات العرب والمسلمين الأميركيين بسبب دعم إدارة بايدن لإسرائيل

وما يزيد في عدم اليقين حول التوقعات بشأن الانتخابات الرئاسية الأميركية أن استطلاعاً للرأي أجرته وكالة رويترز وشركة "إبسوس"، ونشر في 29 آب/ أغسطس 2024، وجد أن ترامب يتقدّم على هاريس في الولايات المتأرجحة السبع المذكورة بنسبة 45-43%، في حين أظهر استطلاع آخر للرأي أجرته وكالة بلومبرغ نيوز وشركة "مورنينغ كونسلت" Bloomberg News/Morning Consult، في 30 آب/ أغسطس 2024، ونُشرت نتائجه في اليوم نفسه، أن هاريس إما متقدّمة أو متعادلة مع ترامب في الولايات نفسها. وأظهر استطلاع للرأي أجرته شركة SurveyUSA، بالاشتراك مع شبكات تلفزيون محلية في ولاية مينيسوتا، أن ترامب قلّص تقدّم هاريس في الولاية إلى النصف، ما بين نهاية تموز/ يوليو ونهاية آب/ أغسطس، وتحديدًا من 50-40% إلى 48-43 في المئة، على الرغم من اختيار هاريس لحاكم الولاية (تيم والز) نائبًا لها. وينسحب الأمر نفسه على ولايات متأرجحة أخرى. فمثلًا، وفقًا لاستطلاع رأي أجرته مجموعة "ترافالغار" Trafalgar Group، ونُشر في نهاية آب/ أغسطس، فإن هاريس وترامب متعادلان فعليًا في ثلاث ولايات متأرجحة في الغرب الأوسط. وبحسب نتائج هذا الاستطلاع، يتقدم ترامب على هاريس في ميشيغان بنسبة 0.4%، و1.1% في ويسكنسن، و2.1% في بنسلفانيا. وتقع هذه النسب أيضاً ضمن هامش الخطأ الذي يبلغ هنا 2.9%. 

أما عندما يُضمَّن المرشحون الثلاثة الآخرون للانتخابات الرئاسية (مرشّحة حزب الخضر جيل ستاين، والمرشّحان المستقلان تشيس أوليفر وكورنيل ويست)، تبقى هاريس متقدّمة بنقطة مئوية واحدة على ترامب على مستوى الولايات عامة (48-47%). وعلى الرغم من أن المرشح المستقل روبرت ف. كينيدي الذي تُظهر استطلاعات الرأي أنه يحظى بدعم 8% من الناخبين، كان قد أعلن انسحابه من السباق الانتخابي في 23 آب/ أغسطس، ودعمه ترامب، فإن ذلك لا يبدو أنه أثّر في زخم الانتخابات لصالح هاريس.

قضايا الناخبين

تُظهر استطلاعات الرأي في الولايات المتأرجحة السبع أن الاقتصاد يتصدّر أولويات الناخب الأميركي واهتماماته (41%)، متبوعاً بالهجرة (14%)، فالإجهاض (13%)، ثمّ الرعاية الصحية (8%)، فالديمقراطية وتوحيد البلاد ونزاهة الانتخابات (7%). وبحسب تلك الاستطلاعات، يتقدّم ترامب في ملفيّ الاقتصاد والهجرة، في حين تتقدّم هاريس في ملفات الإجهاض والرعاية الصحية والديمقراطية وتوحيد البلاد ونزاهة الانتخابات. وتفيد الاستطلاعات بأن هاريس نجحت في تقليص تقدّم ترامب في عدة قضايا مقارنةً بما كان عليه الحال حينما كان بايدن المرشّح الديمقراطي. ويرى محللون سياسيون أميركيون أن هاريس نجحت في طرح نفسها مرشّحة "التغيير"، على الرغم من أنها نائبة الرئيس الحالي في وقت تتزايد فيه الهواجس بشأن ملفَي الاقتصاد والهجرة. 

في الملف الاقتصادي، يشير استطلاع للرأي إلى أن ترامب سيكون أفضل في إدارة الاقتصاد والوظائف (45%) مقارنةً بهاريس (36%). أما في ملف الإجهاض، فيفضّل الناخبون هاريس على ترامب بنسبة 47-31%. ويرى معظم الناخبين أن هاريس أكثر قدرة مقارنةً بترامب (50-47%) على توحيد البلاد، وأنها أكثر استعداداً "للدفاع" عن المواطنين العاديين.

 يشير استطلاع للرأي إلى أن ترامب سيكون أفضل في إدارة الاقتصاد والوظائف (45%) مقارنةً بهاريس (36%)

وتواجه هاريس مشكلةً في كسب أصوات العرب والمسلمين الأميركيين بسبب دعم إدارة بايدن، التي تشغل فيها منصب نائب الرئيس، للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة. ففي حين يتقدّم ترامب في الاستطلاعات العامة عليها لناحية الموقف من دعم إسرائيل، فإنها في حاجة إلى أصوات المسلمين، خصوصاً في بعض الولايات المتأرجحة كميشيغان وبنسلفانيا وجورجيا. وبحسب استطلاع للرأي أجراه مجلس العلاقات الأميركية - الإسلامية (كير CAIR)، ونُشرت نتائجه في 29 آب/ أغسطس 2024، فإن 29.4% فقط من المسلمين الأميركيين ينوون التصويت لهاريس، وهو ما يعادل تقريباً النسبة التي ستصوّت منهم لجيل ستاين (29.1%) وتغامر هاريس بخسارة ولاية ميشيغان تحديداً إذا لم تستطع استمالة العرب والمسلمين الأميركيين، حيث إن خطابها في المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي جاء مخيّبًا آمالهم. 

خاتمة

تُظهر غالبية استطلاعات الرأي تقدّم هاريس على مستوى الولايات عامة بما فيها غالبية الولايات المتأرجحة، إلا أن التحدّي الأبرز أمامها يتمثل في قدرتها على الحفاظ على الزخم الذي رافق ترشّحها عن الحزب الديمقراطي وتعيينها لحاكم ولاية مينيسوتا تيم والز نائباً لها. ومعروف أن الانتخابات الرئاسية لا تُحسم بالأصوات الشعبية، وإنما بعدد الممثلين في المجمع الانتخابي، وهو ما يتطلب الفوز بمعظم الولايات المتأرجحة السبع. ولا يمكن هنا التقليل من فرص ترامب، خصوصاً في ظل التحدّيات التي تواجه الاقتصاد الأميركي، وحقيقة أن هاريس محسوبة على إدارة بايدن بصفتها نائبة الرئيس، بمعنى أنها لا تستطيع أن تتنصّل من المسؤولية، خصوصًا إذا ساءت الأوضاع الاقتصادية أكثر ولم تنخفض نسب التضخم على نحو ملحوظ. وستركز الأنظار، في 10 أيلول/ سبتمبر، على المناظرة الرئاسية المقرّرة بين هاريس وترامب، ويرجّح أن يكون أداء المرشّحَين فيها مهمّاً لجهة تحديد خيار ناخبين كثيرين، كما جرى مع بايدن في حزيران/ يونيو الماضي.