اليهودي المغربي الذي يناضل ضد التطبيع
كان أنور السادات يرى نفسه "الرئيس المؤمن" ومؤسس دولة العلم والإيمان، وكان أيضًا صاحب الريادة في الارتماء في الحضن الصهيوني، مدشنًا ذلك المسار التطبيعي الكارثي الذي حقق من خلاله الكيان الصهيوني أحلامه على حساب فلسطين.
كل الذين يعتبرون أنفسهم أمراء المؤمنين، ويتحدّثون باسم الإسلام ونبي الإسلام، هم الأكثر تطبيعًا، والأكثر قربًا من الاحتلال الصهيوني. ومع ذلك ما زال هناك من يصرّ على اعتبار أن تحرير فلسطين قضية إسلامية، وفقط، ويمتعض حين تقول له إنها قضية كل إنسان حر في العالم، وأنها قضية كل مواطن عربي، بصرف النظر عن عقيدته الدينية، ويردّد الخطاب ذاته الذي يخرج به من المعادلة شرائح عريضة من الشعب العربي، يشتبك مع موضوع فلسطين بوصفه موضوع تحرّر وطني وكفاح ضد استعمار، يثبت أقدامه في الأرض المغتصبة بمساعدة أمراء المؤمنين الجدد، الذين خسرت فلسطين على أيديهم أضعاف ما خسرت على أيدي عصابات الصهيونية العالمية.
لا مفاجأة على الإطلاق في استئناف البلاط المغربي علاقاته المتجذرة (التاريخية بالتعبير الدبلوماسي الرسمي) بالكيان الصهيوني، ووصل ما انقطع، أو بالأحرى توقف مؤقتًا. السياق العربي الرسمي يسمح بذلك كله، بالنظر إلى حالة التدافع المتأجّجة بين قسم من عرب الخليج للظفر بالمقاعد الأمامية، فلم لا يهرول عرب المحيط لاستعادة الصدارة مجددًا.
لا مفاجأة، كذلك في تبرير معانقة إسرائيل بمحبة فلسطين، فهذا نصٌّ يتكرّر كذلك في كل خطوة من هذا النوع: نتعاون مع اللص من أجل حقوق الضحية.. نصاحب العدو المستعمر لكي ينعم الشقيق الذي اغتصبت أرضه بمناخ استعماري لطيف.. كلهم يدخلون مواخير التطبيع، بزعم البحث عن ماء للوضوء والصلاة من أجل فلسطين. قد تكون المفاجأة هنا هي تبرير التطبيع بتحقيق مصالح يهود المغرب، أو كما قيل في تصريحات رسمية أن تسيير الخط الجوي المباشر بين المغرب بإسرائيل، "سيكون لخدمة الجالية اليهودية المغربية بالدرجة الأولى، والتي عادة تعود إلى المغرب في الصيف". هذا أسوأ ما قيل في المسألة، إذ يساوي بالضبط القول: نحن نطبّع مع الاستعمار من أجل راحة المستعمرين الذين تنازلوا عن أوطانهم الأصلية، وذهبوا لمشاركة عصابات غازية احتلال أرض ليست لهم.. أو نحن نطبع من أجل النوستالجيا.
ما أفهمه، ويفهمه أي عاقل أو منصف، أن الشخص الذي غادر وطنه من أجل تأسيس وطن آخر (غير شرعي) فوق أرض وطن شقيق، هذا الشخص لم يعد مواطنًا منتميًا لبلده الأصلي، بل صار منتميًا بالكلية للعدو وخادمًا للاحتلال، ومن ثم فإن وصف هؤلاء بأنهم "الجالية المغربية اليهودية" فيه كثير من الخداع والتضليل والابتعاد عن الحقيقة والمنطق، بل أنه يمنح جدارة وطنية وأخلاقية لمن خانوا أوطانهم، ويجعل مجرمي حرب مثل وزيري الدفاع الصهيونيين السابقين إسحاق موردخاي، وبنيامين بن أليعازر، مواطنين عراقيين، وابنين للعراق في الكيان المعادي للعراق، ومن ثم يحق لأبنائهما وأحفادهما أن يطالبوا بجسر جوي ينقلهم لقضاء الإجازات في العراق.
والأمر نفسه ينطبق على الوزراء الصهاينة المنحدرين من أصول مغربية، مثل عامير بيرتس (وزير دفاع)، وديفيد ليفي (وزير خارجية)، ومن بقي من نسلهما يخدم الاحتلال الصهيوني، ويمارس جرائم ضد الإنسانية بحق الشعب الفلسطيني، وغيرهما كثير حتى أنه قيل في وقت ما أن أكثر من ثلث وزراء العدو الصهيوني من أصول مغربية .. هؤلاء بالمنطق التبريري الصادر عن الدبلوماسية المغربية من أبناء الجالية المغربية في الكيان الصهيوني، يستحقون تطبيعًا وجسرًا جويًا للاستمتاع بالإجازات.
في لحظة تطبيعية حالكة مثل التي نحن بصددها، يسعفنا مثقف يهودي مغربي، يناضل ببسالة، ضد التطبيع، ويقود حملاتٍ مناهضة للاستعمار الصهيوني لأرض فلسطين، ويجوب العالم من أجل الحشد لمقاطعة الكيان الصهيوني.. وقبل ذلك كله يقدم لنا درسًا في الاستقامة الوطنية والإنسانية، والصدق في الدفاع عن فلسطين وشعبها.
يأتي المناضل اليساري، سيون أسيدون، في طليعة المناضلين المغاربة اليهود الذين يطالبون برفض تطبيع العلاقات مع الكيان الإسرائيلي، باعتباره نظاما مجرما، تسبب وما زال في قتل الكثير من الأبرياء الفلسطينيين، إضافة إلى كونه كيانا محتلا اغتصب أرضا ليست له، بينما يعيش أصحابها تحت الجرائم المستمرة لجيش الاحتلال.
منذ عاد من فرنسا، قبل خمسة عقود، بعد إتمام دراسته الجامعية، وهو يكافح من أجل الشعب الفلسطيني، حتى أصبح منسقًا لحركة مقاطعة إسرائيل، الأمر الذي جعل منه هدفًا لتحريض الحكومة الصهيونية. تراه على رأس كل تظاهرة مندّدة بمذابح الصهاينة ضد الشعب الفلسطيني، وتجده في مقدمة كل حملة تجوب الأسواق والجامعات للتوعية ضد الاستسلام لمنطق التطبيع، مستخدمًا خطابًا إنسانيًا وعروبيًا خالصًا، ينتصر للحق، بما هو حق، ويستجيب لمقتضيات الضمير الإنساني والحس القومي.
هذا الرجل حاوره "تلفزيون العربي" في مارس/ آذار الماضي، فطرح ما يمكن اعتمادها مدونة سلوك للدفاع عن الحق الفلسطيني، أظن أننا بحاجة لتعليمها للأجيال الجديدة، بمواجهة طوفان تطبيع أولي الأمر وأمراء المؤمنين.
أكرر ما قلته عشرات المرات إن فلسطين قضية كل عربي، بعيداً عن التصنيفات على أساس الدين والعرق والمذهب والطائفة، كما أنها قضية الإنسان الباحث عن الحق والعدل في كل مكان وزمان.