النووي الإيراني والتخريب الإسرائيلي
الاتفاق النووي الإيراني هو ما يشغل الحكومة الإسرائيلية أكثر من غيره، ويحتلّ الحيز العام من الاهتمام والنقاش، قبل أقل من شهرين من الانتخابات التشريعية المبكّرة المقررة في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. وارتفع منسوب القلق الإسرائيلي في الشهر الماضي (أغسطس/ آب)، عندما اقترب احتمال أن يأخذ مشروع الاتفاق صيغته النهائية، بعد حسم بعض التفاصيل التي جرى التفاوض بشأنها بين واشنطن وطهران بطريقة غير مباشرة، عبر قناة الاتحاد الأوروبي. وإزاء ذلك، حطّ في واشنطن في الآونة الأخيرة كل من وزير الدفاع الإسرائيلي، بني غانتس، ومستشار الأمن القومي إيال هولاتا، ورئيس الموساد دافيد برنيع، من أجل ممارسة الضغوط على الإدارة الأميركية، وتقديم مرافعة شاملة عن مخاوف إسرائيل، التي تقوم على أساس أن الاتفاق يحوّل إيران إلى أقوى قوة في المنطقة، ودولة نووية تشكل خطرا وجوديا بالنسبة لإسرائيل.
وبين الشك واليقين تجاه الموقف الأميركي المتذبذب، بدأت مخاوف إسرائيل تتراجع شيئا فشيئا، بسبب الخلافات التي حصلت في الأسبوعين الماضيين، بصدد التفتيش على المواقع النووية الإيرانية، والتي باتت تهدّد إحياء الاتفاق، الذي يبدو أن الرئيس الأميركي، جو بايدن، والمرشد الإيراني، علي خامنئي، يصرّان عليه. بل إن بايدن يريده أكثر، والدليل هو تنازلات الحد الأقصى الغربية لإيران في جميع البنود تقريباً، وهو ما تعدّه إسرائيل ليس أقل من كارثةٍ استراتيجيةٍ للمنطقة ككل وانتصار كبير لإيران، تحصل بموجبه على مليارات الدولارات في السنوات المقبلة، وما يصل إلى تريليون دولار بحلول عام 2030، بينما لا يجني العالم سوى تأخير وقت استكمال القنبلة الإيرانية إلى حوالي ستة أشهر. وهذا هو الوقت الذي ستستغرقه إيران، على ما يبدو، لتخصيب اليورانيوم العسكري بدرجة تكفي 90٪ لقنبلة واحدة.
تتعامل وسائل الإعلام الأميركية العديدة مع قلق إسرائيل على أساس أن قسطا منه انتخابي، ويأخذ شكل حملة مزايداتٍ إسرائيلية داخلية، بين أطراف التحالف الحاكم، ورئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو الذي دخل في مواجهة علنية عام 2015 مع إدارة باراك أوباما. ووصف الاتفاق في حينه بأنه "خطأ تاريخي مذهل"، ورفض التزام إسرائيل به، إلا أنه بمجرّد أن أصبح الاتفاق حقيقة واقعة، سرعان ما ابتعدت القضية النووية عن الرادار في السياسة الإسرائيلية والخطاب العام. ومن غير المستبعد أن يتلاشى القلق الإسرائيلي الراهن حين إحياء الاتفاق، ومن المرجّح أن يتطور اهتمام الحكومة الإسرائيلية من التركيز على القضية النووية إلى قدرة إيران على تهديد إسرائيل في المجالات غير النووية، سيما من خلال الصواريخ البالستية، ووجودها المتزايد في سورية، وهذا يؤكّد على أن الضربة العسكرية المباشرة ضد المنشآت النووية الإيرانية غير مطروحة إلى حد كبير، لكن أبواب الصراع العسكري مع إيران ستبقى مفتوحةً على أكثر من اتجاه، لا سيما وأن إسرائيل تعتبر أن عليها التصدّي للوضع الجديد، لأنه لا يوجد أحد آخر يمكنه فعل ذلك. وهذا يرتّب عليها أن تصرّ على أنها لن تلتزم بالاتفاق أو أي اتفاق آخر، وستستمر في استخدام كل الطرق والوسائل المتاحة لمنع إيران من التحوّل إلى دولة نووية، ويجب أن تكون مستعدّة وقادرة على منع القدرات النووية الإيرانية من تلقاء نفسها، بضمان خيار عسكري موثوق وقوي، والقدرة على إزالة التهديد الإيراني بكل طريقةٍ تراها مناسبة. وتبدو، حتى الآن، عمليات التخريب الموجهة ضد المشروع النووي الإيراني هي الوسيلة الناجعة والمفيدة والأقل كلفة، والتي تحظى بتأييد الولايات المتحدة ودعمها، وسوف يستمر ذلك حسب الاتفاق الذي أعلنه رئيس الحكومة الإسرائيلية، يئير لبيد، مع بايدن، وهو يترك لإسرائيل حرية عمل كاملة للقيام بكل ما تراه صائباً، من أجل منع إمكانية أن تتحوّل إيران إلى تهديد نووي.