المغرب .. وشهد شاهدٌ من أهلها
أصدر المرصد الوطني للتنمية البشرية، التابع لرئاسة الحكومة، الأسبوع الماضي، تقريرا تحت عنوان ''التنمية البشرية وواقع حال الشباب في المغرب''. وجاءت بياناته وأرقامه صادمة وربما غير متوقعة، بالنظر إلى الجهة التي صدر عنها التقرير، ما يُسائل السياسات العمومية ذات الصلة، على الأقل خلال العقد الأخير الذي تحمل فيه حزب العدالة والتنمية (الإسلامي) مسؤولية قيادة الحكومة. وفضلا عن أن التقرير يكرّس، ويشرعن، بشكل أو بآخر، ما سبق أن أوردته تقارير دولية معلومة بشأن تدنّي مؤشّرات التنمية البشرية في المغرب، يسلط الضوء، أيضا، على عجزٍ مزمنٍ عن استخلاص عائدات النمو الاقتصادي الملحوظ الذي تحقق في بعض السنوات، وذلك بسبب البنية التقليدية للسلطة وضعف ثقافة سيادة القانون والمؤسسات.
كشف التقرير استمرار تدنّي ثقة الشباب المغربي في المؤسسات السياسية الرئيسية، إذ بلغ معدّل عدم الثقة في الحكومة 72% ، وفي البرلمان 73%، وفي الأحزاب السياسية 78%. ويرتبط تدنّي الثقة في هذه المؤسسات بضعف اندماج شرائح واسعة من الشباب في الدورة الاقتصادية، فعلى الرغم من الوزن الديمغرافي (25.3%) الذي يمثّله الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 عاما و29 عاما، إلا أن 26% منهم لا يتابعون الدراسة ولا يزاولون أي نشاط، وهو ما يعني هدرا مجانيا لطاقاتٍ واعدةٍ كان يمكن أن تسهم في إحداث نقلةٍ تنمويةٍ داخل المجتمع. كما سجل التقرير ''تباطؤ دينامية التنمية البشرية نتيجة الهدر المدرسي وانخفاض مستويات الدخل والإدماج الاجتماعي للشباب''. ولم يفت التقرير التأكيد على أن ''الهشاشة الاجتماعية تمثل أكبر تهديد للتنمية البشرية، وهي ناجمة، بنسبة 88.5%، عن الهشاشة في الشغل، إذ تصل إلى 32.3% وسط السكان النشطين. وهو ما يفسر أن 83.3 % من الشباب في المغرب غير راضين، لأسباب كثيرة، أبرزها صعوبة إيجاد عمل (81.3 %)، بحيث تصل نسبة البطالة إلى 24.9%.
ترسم هذه المعطيات صورةً قاتمةً عن الوضع الاجتماعي في المغرب، على الرغم مما يُبذل من جهود للتخفيف من حدّة الاحتقان الاجتماعي. كما تعيد، أيضا، إلى الواجهة حدود سياسة المشاريع الاقتصادية الكبرى التي انخرطت فيها البلاد إبّان العقدين الأخيرين، بعد أن عجزت عن إفراز امتداداتها الاجتماعية والتنموية، والتي تتمثل، بالأساس، في الحدّ من ارتفاع معدّلات الفقر والبطالة، وتقليص التفاوتات الاجتماعية والمجالية، واجتراح مداخل عملية للإدماج الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للشباب. هذا العجز يُفسَّر بغياب إرادة سياسية حقيقية تُحوّل الملف الاجتماعي من مجرّد ورقة سياسية يوظفها الفاعلون، سلطة ونخبا، في الصراع السياسي، إلى مدخلٍ رئيسٍ للاستقرار الاجتماعي والسياسي، من خلال مشاريع تنموية تستثمر في العنصر البشري. وهو ما يُفترض أن يتوازى مع مكافحة الفساد والريع بمختلف أشكالهما، وتأهيل منظومة السوق وفق مبادئ المنافسة الحرّة، وتفكيك تحالف السلطة والثروة الذي يصبّ في مصلحة أقلية نافذة.
ويمكن القول إن تقرير المرصد انطوى على بعض ''المسكوتِ عنه'' في الجدليات التي تحكم المشكلة التنموية في المغرب، أو بعبارة أخرى، لمح، من دون أن يصرّح بذلك، إلى ضرورة تحرير المجال السياسي المغربي، والتوقف عن احتكار القطاعات الاقتصادية الحيوية والتحكّم في آليات المنافسة وإجهاض مشاريع التنمية الحقيقية، لأن من شأن ذلك أن يساعد على تقوية الطبقة الوسطى الحضرية، وتعزيز حضورها في معادلة التغييرين، السياسي والاجتماعي، وبالتالي بناء نموذج تنموي ناجع أكثر قابليةً للاستجابة لانتظارات المغاربة.
يمثل الشباب في المغرب ''فرصة ديمغرافية'' لتحقيق تنميةٍ بشريةٍ مستدامة، تدمج كل ما يزخر به المجتمع من موارد وطاقات، غير أن غياب إرادة الإصلاح السياسي، وضعف النخب والمؤسسات الوسيطة، وتردّي أنظمة التعليم والصحة والرعاية الصحية، وغياب العدالة المجالية والجهوية، ذلك كله يفرغ السياسات الاقتصادية والاجتماعية من مضمونها ويسائل مصداقيتها.