المغرب والجزائر‮: ‬انتصار الحكمة على توازن الرعب؟

03 اغسطس 2021
+ الخط -

اختار العاهل المغربي،‮ ‬محمد السادس،‮ ‬الانحياز إلى دبلوماسية التهدئة‮‮ ‬في‮ ‬العلاقات مع الجزائر، بعدما تلبدت‮ ‬غيوم كثيرة في هذه العلاقات تنبئ بدخول المنطقة منطق التأزيم المفتوح‮.‬.. وجه الملك‮،‮ ‬بمناسبة عيد العرش،‮ ‬الذي‮ ‬يصادف الذكرى الثانية والعشرين لتوليه الحكم،‮ رسالة واضحة الى الرئيس الجزائري،‮ ‬عبد المجيد تبون‮ "للعمل‮ معا‮ً" ‬في‮ ‬أسرع وقت ممكن،‮ ‬من أجل حلّ المشكلات العالقة‮.‬ وهو خطاب لا‮ ‬يساير سيناريوهات التأزيم أو سياسة التوتير‮‮ ‬الذي‮ ‬كانت التطورات في‮ ‬المنطقة‮، أخيراً، ‬قد أعطتها‮ ‬قوة ترجيحية واضحة،‮ ‬لم‮ ‬يغفلها المتتبعون‮. وقد عرفت حوليات العلاقات الثنائية لحظات توتر،‮ ‬ازدادت حدّتها مع تصريحات ممثل المغرب في‮ ‬الأمم المتحدة‮،‮ عمر هلال، ‬في‮ ‬سجال‮ ‬غير مسبوق‮ ‬مع وزير الخارجية الجزائري‮ ‬رمطان لعمامرة،‮ ‬بحق "الشعب القبائلي"‮ ‬في الجزائر بتقرير مصيره،‮ ‬على‮ ‬غرار دعوة الجزائر إلى تقرير مصير‮ "‬الشعب الصحراوي‮" ‬وجبهة بوليساريو (انظر مقالة الكاتب "المغرب والجزائر... توازن الرعب في‮ المنعطف الكبير" في "‬العربي‮ ‬الجديد‮" 20/7).‬ وأدى ذلك إلى استدعاء الجزائر سفيرها في‮ ‬الرباط، من أجل التشاور، متهمة المغرب بعدم الرد على‮ ‬استفساراتها بشأن تصريح ممثله‮ في‮ ‬الأمم المتحدة‮.‬
وفي‮ ‬وقت‮ ‬غطتْ‮ ‬فيه الساحة السياسية المغربية والجزائرية ‬كلّ ‬أنواع السرديات الحربية،‮ ‬جاء ‬خطاب العاهل المغربي،‮ ‬ليدعو إلى العودة إلى الثوابت التي‮ ‬ميزت السلوك المغربي‮ ‬إزاء الجزائر،‮ ‬ما‮ ‬يعد قراءة لمتغيرات المنطقة الأورومتوسطية،‮ ‬وقراءة أيضاً للمستقبل‮ ‬المشترك على ضوء استراتيجيات‮ أوروبية وشرقية‮، ‬تريد أن تلعب على حبل استمرار النزاع بين الطرفين‮.‬ ويستوجب سياق الدعوة المغربية بعض الملاحظات أهمها‮:‬

بالنسبة للمغرب تبدو القطيعة،‮ ‬مجسّدة في‮ ‬إغلاق الحدود البرية بين البلدين، وضعاً شاذّا‮ً، ‬فهذه الحدود الوحيدة في‮ ‬العالم ‬التي‮ ‬ما زالت مغلقة بين بلدين جارين

‬تجديد دعوة اليد الممدودة‮ ‬التي‮ ‬أطلقها الملك محمد السادس في ‮2018، ‬ثم كرّرها في‮ ‬مناسبات أخرى،‮ ‬والتي‮ ‬تدعو إلى حوار سياسي‮ ‬مشترك،‮ ‬بدون شروط ولا مسبقات.‮ ‬واقترح المغرب وقتها آلية سياسية للعمل المشترك لمعالجة الملفات العالقة‮.‬ ‬إعادة تأطير العلاقات الدبلوماسية،‮ ‬بثوابت المغرب الكبرى،‮ ‬ما‮ ‬يعني‮ ‬إعادة تأطير الدبلوماسية المغربية نفسها،‮ ‬من خلال هذه الثوابت‮. ‬وعوض الاتجاه نحو سيناريوهات القطيعة‮، ‬تفضيل العمل على تجاوز‮ ‬ظروفها‮.‬ وبالنسبة للمغرب تبدو القطيعة،‮ ‬مجسّدة في‮ ‬إغلاق الحدود البرية بين البلدين وضعاً شاذّا‮ً، ‬فهذه الحدود الوحيدة في‮ ‬العالم ‬التي‮ ‬ما زالت مغلقة بين بلدين جارين،‮ ‬في‮ ‬تناقض مع توجه دولي‮ ‬وإقليمي‮ ‬نحو تجسير العلاقات وفتح المجال لتنقل الأفراد والبضائع وغير ذلك‮.‬ وقد كان لافتاً أنّ العاهل المغربي‮ ‬استند إلى سردية مغاربية‮، بالإشارة إلى اتفاقيات المغرب العربي‮ ‬الموقعة في‮ ‬مراكش عام 1989 بحضور قادة دول المغرب الكبير‮‬،‮ ‬و‬منهم من رحل عن الحياة ومنهم من رحل عن السلطة‮.‬ ‬وضع الثنائي‮ المغربي‮ ‬الجزائري‮ ‬في‮ ‬قلب النظام المغاربي‮ ‬الجديد، ‬الذي‮ ‬يتولد‮ ‬في‮ ‬ليبيا وفي‮ ‬تونس،‮ ‬وما قد‮ ‬ينتج عن ذلك‮. ‬وباستحضار خطاب محمد السادس ‬في‮ ‬قمة الرياض الخليجية المغربية،‮ ‬في‮ ‬إبريل/ نيسان 2016. و‮يحضر التنبيه الذي‮ ‬وجهه عن التطورات المرتقبة،‮ ‬وذلك‮ ‬بانتقال شرارات الحروب الأهلية وتفكك الدول‮ ‬التي‮ ‬خلقت مآسي‮ ‬الشرق العربي ‬إلى‮ ‬الغرب المتوسطي‮ ‬العربي‮ ‬الإسلامي،‮ ‬وتزايد الرهانات على ‬المنطقة من طرف قوى‮ ‬وتكتلات دولية معروفة،‮ ‬بات صراعها في‮ ‬المنطقة يُرى بالعين المجرّدة‮.‬

قطع خطاب العاهل المغربي‮ ‬مع سيناريوهات القطيعة،‮ ‬وأعطى فرصة جديدة للواقعية السياسية والعقلانية والحكمة

‬توجيه رسالة إلى ‬داخل المغرب،‮ ‬أيضاً،‮ ‬سواء إلى الإعلام أو الفاعلين السياسيين أو الدبلوماسيين،‮ ‬أنّ الاختيار الثابت هو خيار البناء المشترك،‮ ‬وتغيير المزاج العام،‮ ‬من مزاج‮ ‬ينتظر الأسوأ إلى مزاج‮ ‬يميل إلى ‬بناء الثقة وفتح الطاقات الثنائية للعمل‮.‬
واستبعد المغرب، في‮ ‬اللحظة الراهنة، الوقوف عند تجديد المسؤوليات، وما‮ ‬يترتب عنها من تبعات، منها الاعتذار أو‮ ‬غير ذلك،‮ ‬بالدعوة إلى أنّ المسوولين عن الوضع قد رحلوا،‮ ‬وأنّ التنسيق‮ ‬يجب أن‮ ‬يتجاوز الوضع الحالي،‮ ‬بتفكيك الأساطير المؤسسة لخطابات العداء‮، ومنها الشر الذي‮ ‬قد‮ ‬يدخل مع فتح الحدود‮،‮ ‬أو تنشيط التجارات الممنوعة في‮ ‬المخدرات وفي‮ ‬الهجرات... إلخ‮.‬
وقد قطع خطاب العاهل المغربي‮ ‬مع سيناريوهات القطيعة،‮ ‬وأعطى فرصة جديدة للواقعية السياسية والعقلانية والحكمة،‮ ‬ويُجمع المتتبعون أنّ الكرة في‮ ‬ملعب الشريك الجزائري،‮ ‬وسيحدّد رد فعله‮ على هذه الدعوة‮ ‬طبيعة‮ ‬الجيو‮ستراتيجيا التي‮ ‬يريدها للمنطقة المغاربية، ولغرب المتوسط وللساحل جنوب الصحراء‮... وسنرى هل ستنتصر ‬الحكمة‮ ‬التي‮ ‬تفرضها واقعية الجوار والعمل المشترك، ‬على توازن الرعب الذي‮ ‬يعدّ إرثاً من الحرب الباردة.

768EA96E-E08E-4A79-B950-D8980EE5911C
عبد الحميد اجماهيري

كاتب وشاعر وصحفي مغربي، مدير تحرير صحيفة الاتحاد المغربية، مواليد 1963، عمل في صحيفتين بالفرنسية، من كتبه "أوفقير .. العائلة والدم.. عن انقلاب 1972"، ترجم كتابا عن معتقل تازمامارت. مسوول في فدرالية الناشرين المغاربة.