المغرب .. ''الكِيف'' والتنمية وما بينهما
صادقت الحكومة المغربية على مشروع قانونٍ يتعلق بالاستعمالات المشروعة للقنّب الهندي، المعروف في المغرب بـ''الكِيف''. ويتوخّى المشروع ''إخضاعَ الأنشطة المتعلقة بزراعة القنّب الهندي، وإنتاجه وتصنيعه ونقله وتسويقه وتصديره واستيراده، ومنتجاته، إلى نظام الترخيص''. وفي انتظار عرضه على غرفتي البرلمان للمصادقة عليه، يتواصل الجدل بشأن توقيته وتداعياته الاقتصادية والاجتماعية في المناطق المعروفة بزراعة نبتة ''الكيف''، وبالأخص في منطقة الريف.
وإذا كان هذا الجدل يعود، في جانبٍ منه، إلى قرار لجنة المخدّرات التابعة للأمم المتحدة، الصادر في 3 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، القاضي برفع القنّب الهندي من قائمة المواد الأكثر خطورة، والسماح باستعمالها لأغراضٍ طبية وصناعية، مع ما يعنيه ذلك من حيازة قرار الحكومة المغربية تغطيةً دوليةً، فإنّه، في الوقت نفسه، يكشف بعض ما ستكون عليه معادلة السياسة والاقتصاد في طورها المقبل، سيما أنّ شهوراً قليلة تفصلنا عن الانتخابات التشريعية والجماعية.
يندرج المشروع، نظرياً، ضمن سعي الدولة إلى إدماج زراعة نبتة ''الكيف'' في الدورة الاقتصادية، بما يعود بالنفع على المناطق المعنية، ويسْهم في تنميتها وإخراجها من دائرة التهميش. غير أنّ تنزيل مقتضياته يطرح تساؤلاتٍ كثيرة بشأن قدرة السلطة على التحكّم في الدورة الإنتاجية الجديدة التي يُفترض أنّها ستكون من مخرجات هذا المشروع، لأنّ جزءاً كبيراً منها ارتبط تاريخياً باستخلاص ''الحشيش''، بما يحيل إليه من دلالاتٍ دينيةٍ وأخلاقيةٍ وصحية. وهو ما يعني أنّ شرعنة هذه الدورة، وربطها بالدورة الاقتصادية العامة، يتطلبان وضع سعر جديد، سيكون أقلّ مما كان يحصل عليه المزارعون الصغار قبل التقنين، الأمر الذي سيصبّ في مصلحة الشركات والمقاولات الكبرى التي ستكون مهيأة أكثر للاستثمار في ''الكيف'' بما تملكه من إمكاناتٍ ماليةٍ ولوجستية، هذا إضافة إلى أنّ المشروع قد يمنح بارونات التهريب الدولي للمخدّرات هامشاً أكبر للمناورة، واستغلال ثغراته لضمان استمرار استفادتهم مما تدرّه زراعة الكيف من أرباح غير مشروعة.
ويتخوّف كثيرون من أن تفضي شرعنة زراعة ''الكيف'' إلى تعميق الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية والمجالية القائمة، سيما في غياب بدائل تنموية قادرة على تحسين الوضع المعيشي والاجتماعي للأهالي في المناطق المعنية بقرار الحكومة. ويمكن القول إنّ غياب مخطط تنموي مستعجل سيفسح المجال أمام بناء تحالفاتٍ جديدةٍ تتقاطع عندها حسابات السياسة والاقتصاد، بما يدلّ عليه ذلك من إعادة تحديد أدوار النخب الاقتصادية المحلية والجهوية والوطنية داخل الحقل السياسي، في مشهدٍ يذكّر، ربما، بما حدث في منتصف التسعينيات، حين قادت الدولة حملة تطهير واسعة استهدفت رجال أعمالٍ ومتورّطين في تهريب الأموال وتجارة المخدّرات. ويعكس ذلك ثقافةً سياسيةً مركزية تضع تدخُّلَ الدولة في الشأن الاقتصادي المحلي والجهوي ضمن أولوياتها، خصوصاً أمام ضعف المؤسسات الوسيطة وعجزها عن إنتاج مبادرات في هذا الصدد.
يُضاف إلى ذلك أنّ ترك المشروع أمرَ تحديد المناطق التي سيُزرع فيها ''الكيفُ'' لمرسوم حكومي، يكشف سعي السلطة، في ما يبدو، إلى إخراج المشروع من دائرة التقاطبات الحزبية وحصر أمر تدبير (إدارة) حلقاته بيدها، مخافة أن توظّفه الأحزاب السياسية، بصيغةٍ أو بأخرى، في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، خصوصاً بالنسبة لحزب العدالة والتنمية الذي سبق أن رفض مبادرةً لتقنين زراعته، كان قد تقدّم بها حزبا الاستقلال، والأصالة والمعاصرة، في 2015. ويُعتبر الحزب الإسلامي الأكثر تأثّراً بارتدادات المشروع، لتزامنه مع الأزمة التنظيمية التي يتخبط فيها منذ فترة. وهو ما يعني أنّ هذه التقاطبات تأخذ أبعاداً أخرى، في ظل المخاوف التي يبديها خصومه من فوزه بولاية حكومية ثالثة.
تتطلب خطوة بحجم تقنين زراعة ''الكيف'' فتح نقاش عمومي موسّع مع أهالي المناطق المعنية، يتيح بدائل تنموية ناجعة تساعد، من ناحية، على التخفيف من الخسائر التي سيتحملها المزارعون الصغار باعتبارهم الحلقة الأضعف في هذه المعادلة، ومن ناحيةٍ أخرى، على إدماج هذه المناطق في النسيج الاقتصادي الوطني.