المراجعة السعودية قبل الطوفان

06 فبراير 2015

هل يراجع سلمان سياسة عبد الله؟ (13 مارس/2008/أ.ف.ب)

+ الخط -
واجه مسؤول سعودي كبير حرجاً في عام 2010، في جلسة خاصة مع صحافيين عرب، طرحوا عليه سؤالاً حول السبب وراء عدم وجود سياسة سعودية تجاه العراق، وهو البلد الجار الكبير الذي يتبادل التأثير مع المملكة، سلباً وإيجاباً على مستويات عدة، تاريخية وراهنة، سياسية واقتصادية واجتماعية. وحينما احتار المسؤول السعودي في الإجابة، وجد أمامه مخرجاً مناسباً، لكي يعزو المسألة برمتها إلى عدم ثقة الملك، عبدالله بن عبد العزيز، في رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي. وقال، إن العاهل السعودي وصف المالكي بـ"الكذاب"، وهذا كان كافيّاً، لكي يمنع أي مسؤول سعودي، مهما كان موقعه، من لمس الملف العراقي، قبل أن تصدر إشارة مضادة من الملك.
قبل أن يرحل الملك، غادر المالكي رئاسة الحكومة العراقية، وعادت الحرارة إلى العلاقات السعودية العراقية، لكنها لم تشهد نقلة نوعية بسبب المشكلات المتراكمة طوال عهد المالكي، الذي تجاوز ثماني سنوات. واليوم، بعد وفاة الملك عبدالله، يمكن للمراقب أن يأخذ من سياسة السعودية تجاه العراق منطلقاً لقراءة الدبلوماسية السعودية بمفعول رجعي، وبما ينسحب على نتائج حصادها في بلدان عربية عدة، كسورية ولبنان واليمن ومصر.
لعبت السعودية دوراً عربيّاً منذ القدم، وظلت، على الدوام، فاعلة أساسية وفي موقع الحدث، فهي صاحبة أكبر اقتصاد عربي، والأقرب إلى القوى الدولية الغربية، ذات الثقل الكبير والمصالح في العالم العربي، كالولايات المتحدة وأوروبا. وعبر عقود، تركت بصماتها على الأحداث الكبرى التي عاشتها المنطقة العربية، وكانت، إلى جانب مصر، تحدد اتجاه البوصلة العام، وسواء كانت الرياض على خلاف أو اتفاق مع القاهرة، فإن الحصيلة السياسية العامة كانت تشكل الدور العربي، وتطبع الوضع وتتحكم في اتجاهاته. وبالتالي، كان يُحسب حساب السعودية لدى التطرق الى الملفات الكبرى في المنطقة، في الحرب والسلم، وظلت السياسة الخارجية السعودية تتفاعل مع هذه المعطيات، حتى أخذت تشهد انسحاباً من الدور، كالذي عاشته خلال العشرية الأخيرة، وبالتحديد منذ الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، وما تلاه من انهيارات في الوضع العربي. ومن دون أي تجنٍّ، أو اصطياد في الماء العكر، يمكن القول، إن دور السعودية العربي تراجع، في العقد الأخير، حتى بات بلا تأثير. وهذا ينطبق على مواقفها من التطورات والتحولات التي شهدها العراق واليمن وسورية ومصر، بل جاءت كل تدخلاتها في هذه الملفات بنتائج عكسية، وأحدثت فراغاً استفاد منه المنافس الإيراني في لبنان وسورية والعراق واليمن.
لم تكتف سياسة المنافس الإيراني فقط بملء الفراغ الذي نجم عن غياب الدور العربي، بل جاءت حاملة مشروع اختراق المنطقة العربية من داخلها، بالاعتماد على قوى طائفية، وجرى تغليف ذلك بمعاداة إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية. وكان الهدف الإيراني واضحاً، منذ البداية، هو الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط بربط العراق بسورية ولبنان، وإقامة رأس جسر في اليمن، للوصول إلى الخليج العربي، وهذا ما حصل خلال السنوات الأخيرة، وتكلل، أخيراً، في اليمن، بعد اجتياح الحوثيين صنعاء، لتصبح إيران على حدود السعودية مباشرة. ولعل هذا الأمر يبعث على مراجعة سعودية، تستدرك ما فات. والمراجعة المنشودة لن تتم قبل أن يُعاد الاعتبار إلى الدور العربي، على أسس مختلفة كليّاً، والبداية المنطقية أن يجري ذلك بتفعيل مجلس التعاون الخليجي، والضغط على مصر، من أجل إجراء مصالحة سياسية توقف عجلة الانهيار الذي ترعرع بفضل التغطية المالية والسياسية التي وفرتها الرياض للرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي. وقبل كل هذا وذاك، فإن ما يُنتظر من السعودية ليس حضوراً فقط، بل مراجعة تأخذ في الحساب موقعها في العالم العربي وقضاياه الكبرى، من فلسطين إلى اليمن.


شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد
بشير البكر
شاعر وكاتب سوري.
بشير البكر