المتظاهر أخطر من المغتصب

19 يوليو 2015

ضباط أمن في قاعة محكمة مصرية (مايو/2015/الأناضول)

+ الخط -
من بوابة وسائل التواصل الاجتماعي، وعديد المواقع الإلكترونية، يعود الشأن المحلي الضيق ليسطو على المتابعة الإعلامية، بعد عهد طويل من سيطرة الملفات الدولية والإقليمية على الإعلام. ويمكن اليوم من أي مكان في الأرض متابعة إذاعة إلكترونية في ريف تونس، وكذلك صفحة إلكترونية لقرية صغيرة في فلسطين مثلا. وما تكشفه هذه الوسائل، في إطار اهتمامها الضيق، هو وجه غائب من المتغير الاجتماعي والسياسي، والذي قد يتفجر، كل حين، ويبدو التنبه له متأخرا جدا. 
أهم ما يمكن رصده في هذه المنافذ الإعلامية المحلية انشغالها بالحوادث، وهي، في الغالب، حوادث عنف أهلي، بدوافع اقتصادية أو أخلاقية أو سياسية، وغيرها، والعنف يأخذ في مصر، مثلاً، أشكالا عديدة، مثل القتل والخطف والمتاجرة بالأطفال وسرقة الأعضاء، ويمكن لأي متابع، من دون اجتهاد، أن يرصد حجم هذه الظواهر من حجم الانشغال الإعلامي على "السوشال ميديا" بها. واللافت مع هذا كله رصد حضور مؤسسات الدولة، أو الجهات الرسمية والأمنية، في ملفات بهذا الحجم والأثر، ويكشف التمعن في هذه الأدوار تغيرات مهمة في منطق الإدارة الأمنية، وقاموس الأمن لدى حكومات ونظم عربية في هذه المرحلة.
أهم الملاحظات أن الدولة وأجهزتها، وتحديدا الأمنية، تعيد تعريف أدوارها في سياق عملية حفظ الأمن وإدارة المجتمع. وفي الغالب، وفق أجندات خاصة، ليس السلم الأهلي واستقرار البلاد واطمئنان العباد هدفها، بل تحقيق المكاسب السياسية والاقتصادية، عبر سياسات أمنية تستهدف الخصوم والمناوئين.
بهذا المعنى، فإن "الأمن" أو "الإخلال بالأمن" في حالة مصر متصل بالصراع السياسي، متصل بالإرهاب والمظاهرات والمخربين وحائزي السلاح المنتمين لمعارضي النظام، وهؤلاء هم موضوع الجهد الأمني بالدرجة الأولى، وأداء الدولة دورها المستمر في مواجهتهم هو المعيار الوحيد لنجاحها في فرض الأمن والاستقرار وتحقيقهما. هنا، تختفي الجرائم التقليدية من التعريف، ليس السلاح بيد تاجر المخدرات موضوعاً للحملات الأمنية، ولا عصابات اختطاف الأطفال كذلك، فهؤلاء ليسوا معارضين سياسيين، ولا تأتي الماكينة الأمنية الإعلامية على ذكرهم، لأنهم ليسوا خطراً على النظام، أما المجتمع والسلم الأهلي وتهديدهما فلا قيمة لها هنا.
ليست مصر استثناء هنا، بل هي حالة معبرة، ويمكن، من خلال النظر في أحوال المنظومة الأمنية الداخلية في الدول العربية، وتحديدا، التي تشهد سجالا سياسيا، التثبت من مؤشرات العنف المرتفع، ونسب الجريمة المتفاقمة، إلا أن هذا كله لا يستدعي أي قلق بالنسبة للحكومات وأجهزتها الأمنية، ما دام موضوعه وسياقه غير سياسي، ولا يتصل بالسجال على الحكم وإدارة البلاد، بل قد يبلغ الحد إلى تطور صدامات أهلية، قوامها القتل والتهجير والتحريق على خلفيات متباينة، وتراقبها أجهزة الأمن من دون الإقدام على أي فعل رادع، أو حتى من دون الاعتراف بالفشل أمام موجات الجريمة المنظمة، فطالما لم تكتسب تلك الأفعال أي معنى سياسي، أو استهدافي للدولة وأجهزتها، فهي من العنف المحبب، العنف الذي تديره السلطة، وتوجهه نحو المجتمع لينشغل به من دون حل ولا معالجة.
ليس الأمر هنا إدارة للعنف فقط بل إدارة للخوف، فالماكينة الإعلامية المواكبة لتغير الخطاب الأمني، تزرع في قلوب العامة ووعيهم أشكال الخوف المطلوبة، فالمظاهرة السياسية تصبح مصدر خوف ورعب، أكثر من مغتصب أو قاتل متسلسل في الحي المجاور، وينطبع في ذهن الناس هذا الوعي المشوه للأمان والاستقرار، بحكم الضخ الإعلامي المستمر. وأسوأ مراحل هذه الحالة، حين ينبري الناس أنفسهم لتبرير هذه الانحراف في التعامل الأمني، ويبدأون بلوم المجتمع ولوم أنفسهم عند أي جريمة أهلية أو داخلية، ويخرجون الدولة وأجهزتها من مساحة اللوم والمحاسبة بشكل كامل، فهي مشغولة بمعركتها الأهم مع الإرهاب والمعارضين.
دلالات
2BB55568-EFEE-416B-934D-5C762181FE7F
عبّاد يحيى

كاتب وباحث وصحفي من فلسطين