اللاجئون السوريون ونظام الأسد

05 مايو 2023
+ الخط -

أحد أهم الدروس من حرب روسيا على أوكرانيا هو ذلك الذي يتعلق باللاجئين من أوكرانيا، الذين يقارب عددهم حوالي 15 مليوناً، أي أكثر من ثلث السكان. ومنذ الأيام الأولى للحرب في فبراير/ شباط 2022، سجّلت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عبور حوالي سبعة ملايين لاجئ أوكراني باتجاه أوروبا، أغلبيتهم نحو الجارة بولندا. ولأن الحرب طوت عامها الأول وتُنذر بأنها مستمرّة، فإن مسألة عودة هؤلاء إلى ديارهم غير مطروحة في المدى المنظور، خصوصا أن المناطق التي نزحوا عنها شهدت دمارا كبيرا، وتحتاج عملية إعادة إعمارها إلى فترة طويلة. ومع ذلك، لم تبد أيٌّ من الدول المستقبلة للاجئين الأوكرانيين تذمّرا أو ضيقا بالملايين، الذين شاركوا شعوبها الخدمات الأساسية، من تعليم وطبابة ووسائل نقل. وهنا تجدر الإشارة إلى دور التضامن الأوروبي، وذلك الذي نهضت به الأمم المتحدة، إلا أن البلدان المستضيفة تحمّلت أعباء بدورها، أبرزها إدارة الأزمة بما يمنع تأثيرها السلبي على الأوضاع الداخلية، في ظل مستوياتٍ اقتصاديةٍ أقلّ من متوسّطة كما هو الحال في بولندا، التي ضربت مثالا راقيا في التضامن. وهنا يستحقّ التنويه الجهدُ الذي قامت به الحكومة الأوكرانية، لجهة متابعة أوضاع الملايين من رعاياها الذين اضطرّتهم الحرب إلى مغادرة بيوتهم.

لا يمكن قياس حال اللاجئين السوريين على اللاجئين الأوكرانيين، فالسوريون هجّرتهم سلطات بلدهم، ولذلك أخذت قضيتهم منحىً مختلفا، وخضعت للتسييس منذ البداية بدرجاتٍ متفاوتةٍ حسب البلدان المستقبلة، وتراوحت بين معاملة رسمية وفق الأصول كما في الأردن، والاستغلال والتوظيف، وهذا ينطبق بنسبة كبيرة على لبنان، وأقلّ منه على تركيا. ومن المعروف أن البلدان الثلاثة تستقبل في حدود ستة ملايين لاجئ سوري، نصيب تركيا القسم الأكبر منهم بما يقارب أربعة ملايين، ويتوزّع الباقون بين لبنان والأردن. ويواجه اللاجئون السوريون في تركيا هبّة ساخنة وأخرى باردة، تبعا للتطورات السياسية والاقتصادية، وشكّلت الاستعدادات للانتخابات الرئاسية والتشريعية المقرّرة في 14 مايو/ أيار الحالي مناسبة مثالية لحملات العنصرية والتحريض على اللاجئين، شاركت فيها كل القوى السياسية، بما فيها حزب العدالة والتنمية (الحاكم) الذي أراد أن يحول دون توظيف خصومه هذه الورقة ضده في صناديق الاقتراع. وإذا قارنّا بين ما يتعرّض له اللاجئ السوري في كل من تركيا ولبنان، تتفوّق الدولة العربية الشقيقة في العنصرية والتحريض والتوظيف السياسي للقضية، رغم أن فريقا من اللبنانيين يتحمّل مسؤولية مباشرة عن تهجير جزء من السوريين بسبب مشاركة حزب الله في الحرب داخل سورية، وخصوصا في المناطق التي ينحدر منها اللاجئون في ريف حمص والقلمون.

تؤكّد الحملة الجارية ضد اللاجئين السوريين في لبنان على مسؤولية حزب الله وحلفاء النظام السوري، ولا تخفى على أحدٍ محاولات توظيف هذه القضية من أجل الابتزاز السياسي، وخدمة النظام اقتصاديا، وتمرير انتخاب حليفه سليمان فرنجية الذي يواجه اعتراضاتٍ محليةً وعربيةً ودوليةً، بوصفه مرشّح إيران والنظام السوري. وترتبط الحملة، في جزء منها، بفشل مساعي النظام للعودة إلى جامعة الدول العربية، واستعادة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية. وبدلا من الضغط دوليا على رئيس النظام بشار الأسد من أجل السماح بعودة اللاجئين بشكل طوعي وتوفير ضماناتٍ أمنية، فهو الذي يستخدم ورقة اللاجئين للضغط والابتزاز. وما يجري في لبنان غير منفصلٍ عن صعوبة مفاوضات تطبيع العلاقات بين النظام وتركيا، ذلك أن إحدى العقد الرئيسية هي رفض النظام عودة اللاجئين الموجودين في تركيا والمناطق الخارجة عن سيطرته في شمال غرب سورية. وهكذا بات النظام يطارد اللاجئين، بعد أن طردهم من بيوتهم. وأقصى ما قدّمه من تنازلاتٍ أنه قبل عودة ألف لاجئ من حوالي مليون في الأردن.

شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد
بشير البكر
شاعر وكاتب سوري.
بشير البكر