القومي العربي المستبد
صورتان، الأولى في القاهرة، والثانية في دمشق، تقولان الشيء نفسه بأسلوبين مختلفيْن. في الأولى يظهر الجنرال المعتّق منذ زمن حسني مبارك، اللواء سمير فرج، مستقبلًا مجموعة من الدبلوماسيين الشباب من الجنسين الذين يستعدّون ليكونوا سفراء مصر في الخارج، كانوا يرتدون الزيّ العسكري الكامل واقفين في الوضع انتباه، وهم يستمعون لمحاضرة الجنرال عن الأمن القومي.
في دمشق، لا أعرف لماذا غاب عن حمدين صبّاحي أن يرتدى الملابس العسكرية، وهو يقف في حضرة بشّار الأسد، وقفة شباب الدبلوماسيين المصريين بين يديّ الجنرال المتقاعد، منذ عقود طويلة، ولا يظهر إلا في حفلات شهر أكتوبر/ تشرين الأوّل، ليقصّ على الحضور حكايةً من تأليفه عن بطولات الجنرال عبد الفتاح السيسي ونبوغه العسكري؟.
تُجدّد صورة اللواء والدبلوماسيين الجدّد طرح السؤال: ماذا بقي من ملامح الدولة المدنية في مصر، بل ماذا بقي من ملامح الدولة، إذا كان كلّ شيء يُدار بعقلية القبيلة (العسكرية) المتغلبة؟ وماذا بقي من الدستور والقانون إذا كان شخصٌ واحدٌ يستطيع بجرّة قلم أن يمنح خرّيج كلية عسكرية خمس شهادات دراسية مدنية دفعة واحدة، بينما لا يحصل خرّيج الكلية المدنية إلا على شهادة واحدة؟.
نحن بصدد عبث وتخريب متعمّد لمفهوم العلم والدراسة، لا يقلّ خطورةً عن تخريب الحياة السياسية. وفي الأخيرة، يبرز اسم حمدين صبّاحي في طليعة داعمي هذا الخراب السياسي، بإسباغ قشرةٍ مدنيةٍ زائفةٍ على عسكرة منصب الرئاسة، حين قدّم نفسه خادمًا مخلصًا لانقلاب عسكري أراد ارتداء قناع مدنيٍّ عبر انتخابات صورية لعب فيها حمدين دور المرشّح الصوري. منذ تلك اللحظة، والرجل حاضر دائمًا لخدمة الاستبداد، تحت شعاراتٍ برّاقة من نوعية حماية الدولة من التفكّك والممانعة والأمن القومي العربي، تمامًا كما يلقّن الجنرال المتقاعد مفهومه للدبلوماسيين المستجدّين.
وأنت تستعرض صور ولقطات الواقع العربي من مصر إلى الشام، هل ثمّة فارق كبير بين دعم حمدين صبّاحي (المرشّح الصوري السابق) النظام السياسي في مصر ودعم حمدين صبّاحي (رئيس المؤتمر القومي العربي) النظام السياسي في سورية؟
إذا كنتَ ترى فروقًا كبيرةً بين ما جرى ويجري داخل حدود دولة الأسد وبين مثيله داخل دولة السيسي، فأنت محقّ تمامًا في إعلان الدهشة والصدمة من فرحة حمدين صبّاحي بلقاء الأسد ومصافحته، بعد أن هرول إليه قادمًا من بيروت، ومتجاهلًا مناشدات المعارضة السورية في الداخل، ونصائح الأصدقاء والزملاء في المؤتمر القومي العربي، الذي يجتمع كلّ عام ليُصدر بيانًا روتينيًا ومكرّرًا في عباراته وتوصياته عن العدو الصهيوني والتطبيع وأحلام الوحدة العربية، من دون أن يقترب من مسألة الاستبداد العربي، والذي هو في معظمه مصلحة صهيونية كاملة.
نعم، ما فعله حمدين رقصٌ سياسيٌّ ماجن فوق أشلاء ودماء شهداء الثورة السورية، التي كان حمدين نفسُه، ومن واقع أرشيفه، مؤيّدًا لها ومتعاطفًا معها وقتما كان الانتساب للربيع العربي طريقًا لقلوب الجماهير وأصوات الناخبين. لكن وأنت تدين حمدين على هرولته تجاه الأسد عليك أن تواجه نفسك وأنت تُمارس هرولة مساوية تجاه أشباه الأسد وأشقّائه في عائلة الاستبداد، وأن تلتفت إلى أنّ آخرين من الحكّام الذين صنعوا لأنفسهم صورًا كبيرة بوصفهم منحازين للشعوب وثوراتها ورافضين الاستبداد، يطلبون ودّ الأسد لكنه لا يجيب، بالاندفاع ذاته الذين يهرولون به صوب أنظمةٍ شبيهةٍ بنظام الأسد، لطالما أعلنوا تقزّزهم منها.
يمكن لحمدين أن يردّ على من يرجمونه ويصبّون عليه اللعنات بأن هذه مقتضيات السياسة وحساباتها الواقعية، تمامًا كما يردّد المهرولون إلى استبداداتٍ مماثلةٍ في أماكن أخرى.