القتل سهل في مصر

30 مايو 2022

(حسام سكر)

+ الخط -

العام الماضي، صفّى مصريٌّ أسرته كاملة (زوجته وثلاثة أطفال)، بسبب تراكم الديون وعجزه عن توفير موارد للسداد أو حتى للإنفاق على أسرته. وقبل أشهر، قُبض على شخصٍ أطلق عليه "سفّاح الجيزة" بعد اكتشاف أنه قتل زوجته وأختها وأخرى كان على علاقة بها، وكذلك صديق عمره، على فترات متباعدة عبر سنوات. ومنذ أيام فقط، ذبح شاب أسرة من أب وابنتين وحفيدتين، لأنه كان على علاقة بإحدى الابنتين، ورفض الأب القتيل تزويجهما.
هذه عيّنة من عشرات القصص هي في الواقع مآس إنسانية انتهت بجرائم دموية بشعة، كثير منها لا يقلّ بشاعةً، ولا يتم الإبلاغ عنها. ولا بد أن تثير هذه النوعية من الجرائم قلق الجميع واستنفارهم في مصر، فدلالاتها تتجاوز الدوافع المباشرة الخاصة بكل حالة، والتي تتركّز غالباً في الانتقام أو التخلص من عبء نفسي أو مادي. وعلى الرغم من تشابه النمط العام الغالب على هذه النوعية من جرائم القتل، إلا أن التدقيق في كل منها يكشف عن مفارقاتٍ جديرةٍ بالدراسة المتأنية بواسطة علماء متخصّصين في علوم الجريمة والاجتماع وعلم نفس الأسرة، بل والاقتصاد السياسي أيضاً.
هناك مستويان أساسيان لفهم هذه السلسلة المتوالية من جرائم "القتل السهل"، المستوى الأول عام، وهو تزايد معدّلات العنف في المجتمع المصري بشكل عام، أفقياً ورأسياً. بمعنى حدوث تزايد كبير في حالات اللجوء إلى العنف الجسدي المباشر، واقترانه بارتفاع حدّة العنف قياساً على الأسباب التي دفعت إليه. ويتضح ذلك خصوصاً في حالات العنف المنزلي، الزوجي والأسري.
المستوى الثاني هو المتعلق بحوادث القتل تحديداً. وهي جديرةٌ بالاستحواذ على اهتمام خاص ودراستها بشكل منفصل، خصوصا أن الجرائم البشعة التي بدأت تتكرّر في مصر في السنوات الأخيرة تقع في مجتمع يُفترض أنه محافظ وتقليدي، ولديه مدوّنات سلوك عامة، وإن اختلفت تفصيلاتها من شريحة مجتمعية إلى أخرى. فالمجتمع المصري ليس مثلاً كالولايات المتحدة التي تمثل حيازة السلاح فيها والقدرة على استخدامه بسهولة واحداً من الموروثات التاريخية منذ الحرب الأهلية الأميركية، وبالتالي حمل السلاح الشخصي، وإمكانية قتل أي شخص فيه مدعاة للفخر لدى غالبية الأميركيين. الحالة المصرية مختلفة، حيث الخضوع العام للسلطة والاتكال عليها في حسم الخلافات، حتى وإن كان التعويل الأكبر على الأطر السلطوية العرفية والمرجعيات التقليدية المتعارف عليها في العائلات والتركيبة العشائرية والقبلية التي توجد بقوة في كثير من بقاع مصر. حتى ظاهرة "الثأر" التي كانت متفشّية في صعيد مصر قديماً كانت متاحة ومقبولة لدى هذه الأطر والمرجعيات، فضلاً عن أنها انحسرت كثيراً في العقود الأخيرة.
ظاهرة "القتل السهل" نذير خطرٍ داهمٍ على المجتمع المصري، بل هو بالفعل تهديد قائم وليس محتملاً. فهو ليس إلا واجهةٌ تخفي وراءها انهيار المنظومة القيمية العامة، وتفسخ النسق الثقافي المصري/ العربي إلى عدّة أنساق متنافرة حوّلت المجتمع إلى أجزاء منعزلة فكرياً واجتماعياً، كنتيجة مصاحبة لتفرّقها وتباعدها اقتصادياً.
لذا نجد أن "الاستسهال" في استخدام العنف، وإن وصل إلى القضاء على حياة إنسان، لا يقتصر على طبقة اقتصادية بعينها، ولا على فئة مجتمعية ذات (أو تفتقد) مستوى تعليم معين، خصوصا بعد أن مرّ الشعب المصري بمرحلة كان خلالها العنف المسلح هو لغة الحوار والوسيلة الوحيدة تقريباً لحسم الاختلافات، فسالت دماءٌ غزيرةٌ في الشوارع، حتى باتت معتادة، واستساغ المصريون سهولة القتل، وتعايشوا بسلام مع استباحة الأرواح.
وفي بلدٍ تنتفي فيه ثقة المجتمع بمنظومة العدالة الرسمية، ويسود انطباعٌ بأن القانون لا ينفذ إلا على الضعفاء والفقراء، لا غرابة أن يقيم الأفراد العدالة كما يروْنها بأنفسهم، ولو كانت على حساب حياة آخرين.

58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.