13 نوفمبر 2024
الفلسطينيون ومتبرّعو النصائح
وقاحة دونالد ترامب وعجرفته، وهو يعلن إملاءاته بعنوان خطة الحل الإسرائيلية ــ الفلسطينية، ربما ستنافسها فقط وقاحة وعجرفة فئتين من متبرّعي الكلام: الذين سيشعرون بالانزعاج من ردة الفعل الفلسطينية إن تجاوزت حدّ البيانات المستنكرة وحرق الأعلام، وبلغت مستوى الرد العنفي، ثم من سيتفرغون للنبش في أدبيات التنظير عن بُعد، خصوصاً من طهران ومن بيروت ودمشق، لتعليم الفلسطينيين كيف عليهم أن يتصرّفوا إزاء التكريس الأميركي الرسمي كل ما هو جار أصلا تنفيذه بهدف شطب كلمة فلسطين من الوجود، بلاجئيها وأرضها وتقرير مصيرها ودولتها وقدسها ومياهها...
وتوقُّع رد عنفي ما، قد يكون محدوداً، أو مفتوحاً على شاكلة انتفاضة ثالثة (لن تكون مجدية إلا إن احتضنتها الضفة والقدس)، ليس من باب التمنّي ولا التحليل، بل مجرد إيراد لاحتمال تحقّق ما يقوله المنطق، هذا إن كان لا يزال هناك من مكان للمنطق في عالم السفالة المطلقة الذي نعيش فيه. سفالة تجعل رجلاً وضيعا مثل ترامب رئيساً ربما لولاية ثانية، يكرهه نصف البشر لأسباب مختلفة، ويجد فيه آخرون ما يتمنون أن يمتلكوا: المال والشهرة والسلطة والحسناوات والقدرة على فعل كل ما يخطر على البال من دون محاسبة ومن دون مراعاة لأية محاذير من أي نوع كانت، حتى ولو وصلت كلفة إنكاره وجود شيء اسمه التغير المناخي إلى زوال البشرية مثلاً.
الذين سيتخصصون في التأفف من ردة الفعل الفلسطينية على إعلان "صفقة القرن"، يمارسون هوايتهم المفضلة: تجاهل الفعل وتشريح ردة الفعل، وهو تخصص ليس حكرا على القضية الفلسطينية طبعاً. ولأن الفعل يسبق الرد عليه، ولأن ذاكرة البشر قصيرة مثلما هو معلوم، وذاكرة الكثير من الإعلام انتقائية وموجهة، فإنه كلما وُضع الفعل ورد الفعل في الغربال، عَلِق الثاني وتسلل الأول إلى عمق النسيان. الفعل في المأساة الفلسطينية عالمي ومستمر، وعمره الحقيقي 72 عاماً، والمجازي 4 سنوات إن حصرنا النقاش بما فعله ترامب شخصياً منذ توليه الرئاسة الأميركية في سبيل شطب القضية الاستعمارية الأخيرة في المنطقة وربما في العالم. أما رد الفعل في أحوال كالوضعية الفلسطينية، فهو موسمي، وهو مُكلِف، ولا يقدم عليه إلا من خسر كل شيء أو في طريقه إلى خسارة كل شيء. لهذا السبب ولغيره، ليس أكيداً أن إعلان ترامب سيفجر انتفاضة ثالثة بما أن الفلسطينيين يجدون أنفسهم، أكثر من أي وقت سبق، متروكين من الجميع، إلا إن صدّق أحدهم أن حكام إيران وبشار الأسد مثلاً لا ينامون ليلهم إلا بعد العمل على تحرير فلسطين. الفلسطينيون جربوا كل شيء ولم يفلح. جربوا النضال المسلح، والمفاوضات والتنازلات التي لا تنتهي، جربوا سلطة بلا دولة فاستهوى كثيرون بطاقات الـ"في آي بي"، إلى أن أصبحت البطاقات تلك ورقة تبتزّهم بها إسرائيل: التخلي عما بقى من أرض مقابل البطاقة العتيدة. ولأن الضرب في الميت حرام، لا وقت ولا جدوى من العودة الآن إلى محاسبة سلطة مقاطعة رام الله. حتى إعلان وقف التنسيق الأمني لن تقدم عليه هذه السلطة ببساطة لأنها غير مستعدة للتنازل عن وهم امتيازاتها، فكيف بالأحرى سحب توقيعها عن اتفاقيات أوسلو والمرحلة الانتقالية لكي يتدبر جيش الاحتلال مواجهة شعب الضفة في أزقة يدرك أنها قد تصبح جبهات مفتوحة على القدس ومدن الداخل المحتل في حال فقط انسحب عناصر الأمن الوقائي من الشوارع ووزعوا أسلحتهم على "الجماهير".
أما التنظير عن بُعد لإخبار الفلسطينيين عما يجب عليهم فعله كرد فعل، فهو شأن آخر، فيه من العجرفة ما يسمح لكثيرين استسهال صف الحروف وتدبيج الخطابات المجانية من دون أن يكون عليهم تحمل أية تبعات وكأنهم يقولون للفلسطينيين في الضفة وغزة والقدس: موتوا بالنيابة عنا فحسب.
الفلسطينيون وحدهم يعرفون ماذا عليهم فعله، المهم أن يتواضع الآخرون طالما أنهم عاجزون عن تقديم الدعم: أصحاب الحس المرهف ضد أي رد فعل عنفي يتجاوز قصائد رثاء ما تبقى من فلسطين، وأصحاب نظريات الفعل الثوري شرط ألا يتطلب هذا الفعل منهم أكثر من الثرثرة.
الذين سيتخصصون في التأفف من ردة الفعل الفلسطينية على إعلان "صفقة القرن"، يمارسون هوايتهم المفضلة: تجاهل الفعل وتشريح ردة الفعل، وهو تخصص ليس حكرا على القضية الفلسطينية طبعاً. ولأن الفعل يسبق الرد عليه، ولأن ذاكرة البشر قصيرة مثلما هو معلوم، وذاكرة الكثير من الإعلام انتقائية وموجهة، فإنه كلما وُضع الفعل ورد الفعل في الغربال، عَلِق الثاني وتسلل الأول إلى عمق النسيان. الفعل في المأساة الفلسطينية عالمي ومستمر، وعمره الحقيقي 72 عاماً، والمجازي 4 سنوات إن حصرنا النقاش بما فعله ترامب شخصياً منذ توليه الرئاسة الأميركية في سبيل شطب القضية الاستعمارية الأخيرة في المنطقة وربما في العالم. أما رد الفعل في أحوال كالوضعية الفلسطينية، فهو موسمي، وهو مُكلِف، ولا يقدم عليه إلا من خسر كل شيء أو في طريقه إلى خسارة كل شيء. لهذا السبب ولغيره، ليس أكيداً أن إعلان ترامب سيفجر انتفاضة ثالثة بما أن الفلسطينيين يجدون أنفسهم، أكثر من أي وقت سبق، متروكين من الجميع، إلا إن صدّق أحدهم أن حكام إيران وبشار الأسد مثلاً لا ينامون ليلهم إلا بعد العمل على تحرير فلسطين. الفلسطينيون جربوا كل شيء ولم يفلح. جربوا النضال المسلح، والمفاوضات والتنازلات التي لا تنتهي، جربوا سلطة بلا دولة فاستهوى كثيرون بطاقات الـ"في آي بي"، إلى أن أصبحت البطاقات تلك ورقة تبتزّهم بها إسرائيل: التخلي عما بقى من أرض مقابل البطاقة العتيدة. ولأن الضرب في الميت حرام، لا وقت ولا جدوى من العودة الآن إلى محاسبة سلطة مقاطعة رام الله. حتى إعلان وقف التنسيق الأمني لن تقدم عليه هذه السلطة ببساطة لأنها غير مستعدة للتنازل عن وهم امتيازاتها، فكيف بالأحرى سحب توقيعها عن اتفاقيات أوسلو والمرحلة الانتقالية لكي يتدبر جيش الاحتلال مواجهة شعب الضفة في أزقة يدرك أنها قد تصبح جبهات مفتوحة على القدس ومدن الداخل المحتل في حال فقط انسحب عناصر الأمن الوقائي من الشوارع ووزعوا أسلحتهم على "الجماهير".
أما التنظير عن بُعد لإخبار الفلسطينيين عما يجب عليهم فعله كرد فعل، فهو شأن آخر، فيه من العجرفة ما يسمح لكثيرين استسهال صف الحروف وتدبيج الخطابات المجانية من دون أن يكون عليهم تحمل أية تبعات وكأنهم يقولون للفلسطينيين في الضفة وغزة والقدس: موتوا بالنيابة عنا فحسب.
الفلسطينيون وحدهم يعرفون ماذا عليهم فعله، المهم أن يتواضع الآخرون طالما أنهم عاجزون عن تقديم الدعم: أصحاب الحس المرهف ضد أي رد فعل عنفي يتجاوز قصائد رثاء ما تبقى من فلسطين، وأصحاب نظريات الفعل الثوري شرط ألا يتطلب هذا الفعل منهم أكثر من الثرثرة.