الفاشية تتدلل: مطلوب رأس أبو تريكة
في مثل هذا الوقت بالضبط، نوفمبر/ تشرين ثاني 2014، قرّرت السيدة لميس الحديدي، زوجة السيد عمرو أديب، أن تمنح نفسها كوكتيلا من السلطات والصلاحيات، التي هي شأن أصيل لوزارتي الداخلية والخارجية، وتقدّم لائحة بأسماء معارضين، وتخاطب أمير قطر مباشرة، لتسليمهم لها شخصيًا "أنا عاوزة الناس دي وما بطلبهمش لحلاوتهم". في ذلك الوقت، تساءلت: لميس هي السلطة الأولى أم السلطة الرابعة في مصر؟ وهل هي جزء من نظام الحكم بنص الدستور أو بقرار جمهوري أو حتى بانقلاب؟
كان ذلك لمناسبة ما تردّد عن سحب الحكومة القطرية وديعتها في البنك المركزي المصري، الأمر الذي تسبّب في اندلاع موجاتٍ من اللوثة الإعلامية لم تترك مفردةً في قواميس الفاشية والبذاءة إلا واستعملتها.
بعد سبع سنوات بالتمام والكمال، يمارس المذيع عمرو أديب، زوج السيدة لميس، اللوثة الفاشية ذاتها، ويطلب من النائب العام المصري، مباشرة وعلى الهواء، محاكمة النادي الأهلي المصري بتهمة ارتكاب جريمة تهنئة أحد أساطير ومفاخر النادي وكرة القدم المصرية والعربية، اللاعب محمد أبو تريكة، بعيد ميلاده.
كانت فاشية لميس نتيجة أنباء عن سحب الوديعة القطرية، أما فاشية عمرو فهي من أجل الفاشية، بالنظر إلى أنها تتزامن مع الإعلان عن ضخ الشركات القطرية مليار دولار استثمارًا عقاريًا في العاصمة الإدارية لما تسمّى الجمهورية الجديدة.
ربما يكون عمرو أديب وهو يطلب رأس أبو تريكة، ويصفه بالإرهابي، مدفوعًا بلوثة تعصب كروي مقيت للنادي المنافس، الزمالك، وربما تكون المسألة كراهيةً شخصيةً لنجم اجتمعت على محبته القلوب، بصرف النظر عن انتمائها لهذا الفريق أو ذاك. وربما يكون الأمر غير كل ما سبق، إلا أننا في المحصلة بصدد تيارٍ جارفٍ من التسلط ينحدر من الأعلى إلى الأسفل، تتحوّل معه الصحافة من مهنة محترمة وراقية وإنسانية إلى وسيلة إبلاغٍ وتحريضٍ وإشاعة الغل والكراهية، وأسوأ من ذلك يتصوّر من يمارسها على نحوٍ يرضي السلطة أنه جزء من هذه السلطة، وصاحب قرار فيها.
لا يحتاج محمد أبو تريكة، بالطبع، إلى دفاع عنه، فمثل هذا النوع من العبوات الإعلامية السامة ينفجر في وجه حامليها ومفجّريها، ويرفع من أسهم الشخص المستهدف بها في بورصة الاحترام والتقدير، لكن الأمر يطرح مجموعة من علامات الاستفهام في هذا التوقيت الذي تبدو معه العلاقات بين القاهرة والدوحة في مرحلة متقدّمة من التفاهمات، تعلن معها شبكة الجزيرة عن استئناف نشاطها من القاهرة، بعد أيام من لقطات مصافحة حارّة بين السيسي وأمير قطر في غلاسكو.
على أن ما يلفت النظر أكثر أن هذه الفاشية تندلع بالتزامن مع محاولة السلطات المصرية تصدير بورتريه جديد لها ترسم معالمه ما تسمّى الاستراتيجية الجديدة لحقوق الإنسان، وتسريب رسائل خادعة عن انفراجةٍ على صعيد الحريات السياسية والاجتماعية، فما الذي يدفع بعض الأصوات المحسوبة على هذه السلطة العودة إلى فاشية ما بعد مجازر 2013؟.
أغلب الظن أن الفاشية لا تشبع ولا ترتوي أبدًا، وكلما وجدت حولها مساحاتٍ من القبول، أو الصمت، أو حتى التعاطي معها استجابة للأمر الواقع، فإنها تتمدّد وتتوسع في التوحش والغطرسة، وتتعاظم شهيتها لافتراس المزيد.
وهل هناك مناخ أفضل مما يلف المنطقة لكي تشعر الفاشية بأنها في أمان؟