الغوطة.. جريمة تبحث عن عقاب
عام وجريمة الغوطة من دون عقاب. قالت لجان التحقيق الدولية من هو القاتل، وحددت سلاح الجريمة، وتحرك الغرب تحت بند معاقبة الجاني، لكنه اكتفى بأن صادر منه أدوات الجريمة، وتركه طليقا.
صمت الغرب بعد ذلك، ومن حينها، صار المجرم أكثر حرية، وأخذ يتصرف بلا حرج، فقتل، حتى اليوم، أكثر من مائة ضعف من السوريين الأبرياء. قتلهم بأسلحة أخرى، وكما استعمل في الغوطة سلاح قتل جماعي، واصل القتل بأدوات الموت الرخيص، البراميل البدائية المتفجرة، التي لا تكلف شيئا، وتستخدم تقنية رش الذباب والصراصير.
السوريون ذباب وصراصير، هكذا يتعاطى معهم رئيسهم الشاب، بشار الأسد، ولا يتحرك أحد لوضع حد لانحرافاته، التي فاقت كل أنماط الانحطاط الحيواني في التاريخ. بلغت الاستهانة بأرواح السوريين حدَّ أن العالم توقف عن إحصاء أعداد الضحايا، ليس لكثرتهم فقط، بل لأن الأرقام لم تعد تعني شيئاً، وسواء سقطت مائة ضحية أو أكثر في اليوم، فالأمر سيان، لأن الخبر السوري صار يعبر في وسائل الإعلام، من دون أن يكترث به أحد.
بات موت السوريين تفصيلاً بين تفاصيل كثيرة في المنطقة، وكلما تقادم به الوقت، قل الاهتمام به، ولا غرابة في أن يغدو، في وقت قريب، أمراً عاديا، وكأن هؤلاء، الذين يتساقطون كل يوم بأدوات القتل الأسدي، مجرد أرقامٍ، تمحوها أرقام أخرى.
ربما قال قائل إن هول المأساة يعمي البصر والبصيرة. وربما صارت المسألة السورية من التعقيد بمكان فاقت فيه قدرة البشر على التفكير في حلول لها، فهي متشعبة إلى حد كبير، وتتفرع عنها مشكلات تحتاج كل واحدة منها إلى ورشة عمل تحتاج إلى أعوام. هناك الدمار الهائل، الذي لحق بالعمران والبنى التحتية. بالإضافة إلى حوالى عشرة ملايين مشرد ولاجئ. وهناك قرابة مليون معاق. لا مدارس ولا مستشفيات، هذا عدا الجيوش وأمراء الحرب وجماعات الإرهاب "الداعشي" وجيوش الإسلام، التي لا حصر لها.
تشكل جريمة الغوطة تاريخاً مفصلياً في مسار الثورة السورية، ودرساً لم يتعلم منه السوريون شيئا. ذلك أن اكتفاء الغرب بمصادرة السلاح الكيماوي لتدميره، إنما كان يعني أن الباقي تفاصيل، وهذا ما فهمه بشار الأسد جيداً، فصعد من سفك الدماء والتدمير والتهجير، ورفض السير في حل سياسي في جنيف، وذهب إلى التجديد لنفسه في ولاية رئاسية ثالثة.
وبدلاً من أن يعيد السوريون تنظيم أنفسهم سياسياً وعسكرياً، ازدادوا انقساماً، وأضاعت النخب، التي تصدرت مشهد الثورة، الوقت في صراعات مناصب ومكاسب، بينما كان شعبهم يذوق الويلات، ويدفع الفاتورة مضاعفة في كل يوم يمر.
واليوم، بعد مرور عام على جريمة الغوطة، يبقى الأفق مسدوداً، ولا مؤشرات، لا على وقف القتل، ولا على حل سياسي. والأكثر مأساوية من هذا وذاك، لا تبدو هناك نية لدى أحد للتفكير في حلول للمأساة، طالما أن المنطقة ملتهبة من غزة إلى الموصل.
ويمكن القول من دون تردد إن المسؤولين، مباشرة، عن المأساة السورية هم أنفسهم، الذين يتحملون مسؤولية قتل الشعب الفلسطيني في قطاع غزة اليوم. من أطلق يد بشار الأسد في سورية، هو ذاته الذي أباح لبنيامين نتنياهو أن يهدم غزة على رؤوس أهلها.
في الحالين، تخلت القوى العظمى عن مسؤوليتها الأخلاقية، فلم تعد مكترثةً بما يجري في المنطقة، وصارت تبخل حتى في قرار إدانة من مجلس الأمن، أو توجيه لومٍ، أو مناشدةٍ، لوقف قتل المدنيين الأبرياء. وحدهما، نتنياهو والأسد، يتصرفان بكل حرية، وليس هناك طرف دولي يكلف نفسه عناء وضع حد لهما، حتى لكأن البشرية في طريقها إلى شريعة الغاب.
مر عام وجريمة الغوطة بلا عقاب، ويبدو أن المجرم ركن إلى قناعةٍ بأنه سيفلت من ذلك، وسيدفن الجريمة بارتكاب جرائم أخرى، ولكن هذه الجريمة ليست من النوع الذي يتقادم عليه الزمن، لأنها من أفعال الإبادة وجريمة ضد الإنسانية، وقد شاهدنا أخيراً أن مسؤولي جرائم الإبادة في كمبوديا، (الخمير الحمر)، تمت محاكمتهم بعد 35 عاماً. والأمل، اليوم، معقود على عشرات المنظمات الإنسانية، التي لا تزال تعمل على جلب بشار الأسد إلى محكمة الجنايات الدولية.