العسكري جمعة مشاركا جماعة إرهابية أهدافها
دعونا نفترض أنّ وزير الأوقاف المصري، محمد مختار جمعة، يسلك وفقًا لاختياره الشخصي، وليس وفقًا لتلمود "الاختيار 3"، وأنّ قراراته بشأن إغلاق المساجد ومنع صلاة التهجّد، ثم قراراته بالتراجع عن هذه القرارات، ذلك كله ينبع من إرادته الحرّة وقناعاته ولا يفرضها عليه أحد.
لنفترض أنّ مختار جمعة صاحب رؤية وفكر وفلسفة، وليس مجرّد زائدة أمنية في جسد السلطة، أو أنه ليس من المكمّلات الأمنية التي تستعملها هذه السلطة، على طريقة المكمّلات الغذائية التي يستهلكها بعض الناس في تضخيم العضلات.
لو اعتبرنا، كمقدمة، أنّ وزير الأوقاف ليس مجرّد إناء يسكب فيه النظام "الأمنسكري" بمكوناته العسكرية والأمنية قراراته السياسية، وأنّ الرجل لا يردّد ما يُملى عليه، ولا يصدع بما يؤمر.
كمقدمات للتحليل، النتيجة المنطقية هنا أنّ وزير الأوقاف المصري إخواني مستتر داخل النظام، أو على الأقل نموذج مثالي لتلك النكتة الأمنية والقضائية الفجّة التي استخدمت لحبس آلاف المعارضين المصريين وسجنهم، والتي تلخصها عبارة متكرّرة في كل القضايا، هي "مشاركة جماعة إرهابية تحقيق أهدافها" مع الوضع في الاعتبار أن تهمة "الإرهابية"، توّسعت وتمدّدت، بحيث صارت تشمل جماعة المعارضة المصرية، بكل تنوّعاتها واختلافاتها الفكرية والأيديولوجية، ولا تقتصر على جماعة الإخوان المسلمين فقط.
لماذا يمكن اعتبار مختار جمعة متهمًا نموذجيًا بمشاركة جماعة إرهابية تحقيق أهدافها؟. الجواب يأتي من مختار جمعة نفسه، إذ يقول، في بيان رسمي ومن خلال حسابه الموثق على "تويتر"، يفسّر به انحناءه أمام العاصفة، وتراجعه عن قراراته الغبية بمداهمة المساجد في جوف الليل وملاحقة المتهجدين فيها، يقول الآتي: "لا شك أنّ جماعة الإخوان الإرهابية ومن يدور في فلكها من جماعات أهل الشر قد فقدوا صوابهم لما كشفه مسلسل "الاختيار 3" من عوراتهم، فاشتطوا كذبا وتدليسا وتلفيقا للأمور وإخراجًا لها من سياقها، غير أنهم لن يستطيعوا أن يجملوا الوجه القبيح لهذه الجماعة الخائنة لوطنها العميلة لأعدائه".
ويضيف إنّ قراره كان بهدف منع هذه الجماعة من السيطرة على المساجد، ثم يشرح الموقف المشين الذي تبدو عليه وزارته بعد التراجع على النحو التالي: "وأنها عندما اضطرّت لأخذ قرارها بشأن التهجّد والاعتكاف، فإنه لم يكن أبدا قرارًا فرديًا أو اعتباطيًا إنما هو قرارٌ مؤسسيٌّ من خلال لجنة إدارة أزمة الأوبئة والجوائح الصحية بمجلس الوزراء برؤيةٍ مشتركةٍ دينيةٍ وصحية، وقد أكّدنا أن الرأي الديني يبنى على الرأي الطبي ولا يسبقه، ولا يجوز لأي جهةٍ أو مؤسسةٍ أن تصدر أي قرار منفردة بذلك ما دامت هناك لجنة وطنية مشتركة منوط بها الأمر، فالرؤية هنا رؤية مؤسسية مبنية على المصلحة المعتبرة دينيًا ووطنيًّا، ولا يمكن أن تجتمع هذه المؤسسات إلا على ما يحقق الصالح العام".
بصرف النظر عن التلعثم والتخبط بين كورونا والجماعة الإرهابية، ففي المحصلة مختار جمعة، الذي هو مجرّد حائط لعرض قرارات السلطة الأمنية العسكرية، يقول، بطريق غير مباشر، إنهم قرّروا إغلاق المساجد ليلًا ومنع التهجّد خوفًا من الجماعة الإرهابية (المعارضة)، وأنهم تراجعوا وقرّروا فتح المساجد للتهجد، خوفًا وانحناءً أمام دواماتٍ شديدةٍ من الغضب الشعبي، متعدّد المنابع والاتجاهات، لكن وزير الأوقاف لم ير في هذه الغضبة سوى أنها من رحم الجماعة الإرهابية ومن صلب أهل الشر.
بمفهوم مختار جمعة، والذين يلصقون عليه قراراتهم، هذا الكلام إقرارٌ صريحٌ بأنّ غالبية الشعب المصري مع ما يسمّيها "الجماعة الإرهابية" ضد بطش السلطة وجبروتها وتبلدّها في الإدارة، وأنّ ما توصف بالجماعة الإرهابية باتت المحدّد لقرارات السلطة، ثم التراجع عنه.
يا لها من هديةٍ عظيمةٍ يقدّمها جمعة والسلطة التي تطلقه على الناس، إلى هذه "الإرهابية"، ويا لها من مشاركة هائلة لهذه الجماعة في تحقيق أهدافها، حين يقرّ بأنها المحرّك للأفعال ولردود الأفعال التي تصدر من السلطة التي تحرق الأخضر واليابس وتبدّد كل الموارد والطاقات في حربها المجنونة على المعارضات المصرية منذ تسع سنين.
الشاهد أنهم ألغوا قرار غلق المساجد ومنع التهجّد كما ألغى الصهاينة مسيرة الأعلام، وأوقفوا اقتحام المسجد الأقصى، بفعل الصمود الشعبي الفلسطيني بوجه الاحتلال. معطيات المشهد في مصر، تنطق الآن بأن وزير الأوقاف هو مجرّد ترسٍ في ماكينة أمنية جبارة، هي بدورها صارت تمثل السلطة الروحية، إلى جانب كونها السلطة التشريعية والتنفيذية التي تحكم وتدير وتهيمن.
هو كذلك جزء من المكملات الدرامية الخاصة بمسلسل الاختيار، الذي هو بدوره عبارة عن عملية أمنية شاملة، تذكر بحلقات مسلسل العملية الشاملة، التي بدأت منذ العام 2013 في سيناء، ولا تنتهي أبدًا، في إطار ما تسميها سلطة الانقلاب العسكري "الحرب على الإرهاب" والتي يلخصها بيان واحد، لا تتغيّر صياغته منذ ثماني سنوات، يتحدث عن تحقيق نجاحات أمنية هائلة، تمامًا مثل نجاحات مسلسل "الاختيار 3" كما يعبّر عنها وزير الأوقاف، الذي يتحوّل هنا إلى موظف دعاية صغير في الشركة المنتجة للمسلسل، وهي شركة تابعة لأكبر الأجهزة الأمنية كما يعرف أي متابع لحرب الدراما في مصر.
هنا لا يبقى فرق بين بيتر ميمي ومختار جمعة في اعتناق المسلسل، عقيدة سياسية وفلسفة أمنية لا تتزعزع، يحظر أن يشكك فيها أحد أو يقترب منها بالنقد، كونه مستوحى من نصوص التلمود العسكري، كما وضعه الحاكم الفرد الأحد، في دولة منكوبة برجال دين يفرضون على الجماهير مفهومًا فاسدًا للتدّين وللوطنية معًا، يقوم على عقيدة الإيمان بالسيسي والجيش والشرطة .. واليوم الآخر.
أخيرًا، من العبث أن يقال عمّا جرى أنه من عنديات، أو من بنات أفكار مختار جمعة، وبالتالي يبقى باعثًا على الضحك أن تجد حملات ترفع شعار "إقالة وزير الأوقاف" لأنه ببساطة ليس صاحب الاختيار، فصاحب الاختيار هنا هو نفسه المالك الفعلي والمؤلف الحصري والمخرج والمنتج الوحيد في "الاختيار 3" والذي يعرفه أصغر طفل في مصر.