العرب المتروّسون وعشق السلطوية

13 مارس 2022

(فاتح المدرس)

+ الخط -

(1)

ربما تتعجّب، في الوهلة الأولى، من العرب الذين يدافعون عن الجرائم الروسية نكايةَ في أفعال الولايات المتحدة وجرائمها، ولكنك تجد، عند متابعة تعليقاتهم وتبريراتهم، أنّها ليست عجيبة بالنسبة لمواقف سابقة لهم، في قضايا تخصّ فكرة الحقوق والحريات بشكل عام. ومن الطبيعي أن تجد كل مؤيدي السلطوية والاستبداد في بلداننا العربية يؤيدون الغزو الروسي لأوكرانيا ويهللون له، فهم أيضاً من دافعوا عن جرائم روسيا في حق الشعب السوري خلال السنوات الماضية. أنصار السلطويات العربية، بالطبع، سيدافعون عن جرائم بوتين، فهي لا تختلف كثيراً عن جرائم الحكام، وبوتين من أكبر الداعمين للمستبدّين حول العالم. لجان إلكترونية مؤيدة للسلطة انطلقت تدافع عن الغزو الروسي، الذي يبرّره بعضهم بأن روسيا مضطرة أن تدافع عن أمنها القومي بعدما شعر بوتين بالتهديد. وهناك من يكرّر مزاعم روسيا عن سعي أوكرانيا إلى امتلاك سلاح نووي، وأنّ ما تفعله من قصف وقتل وتدمير للبنية التحتية مجرّد دفاع شرعي عن النفس.

ربما يكون مفهوماً أو متوقعا أن يردّد تلك المزاعم أنصار الفاشية والسلطوية، ولكن من العجيب أن تجد شخصا كان يزعم أنه مدافع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في يوم ما، وفي الوقت نفسه، يدعم الجرائم الروسية حالياً.

أنصار السلطويات العربية، بالطبع، سيدافعون عن جرائم بوتين، فهي لا تختلف كثيراً عن جرائم الحكام

ستجد أيضاً بعض المحسوبين، نظرياً، على المعارضة، مثل بعض الناصريين والشيوعيين القدامى. إذا كان الناصريون يدافعون عن أي مستبدّ بحكم الأيديولوجيا وعشق السلطوية والفاشية، فلماذا يدافع شيوعيون عن روسيا الجديدة، ذات التوجه الرأسمالي الصريح؟ هو نوع من أنواع النوستالجيا والحنين لفترة الحرب الباردة وأمجاد الحقبة السوفييتية؟ أو أنه مجرّد الحنين للأنظمة الشمولية والقمعية؟ تحسبهم أكثر روسية من الروس أنفسهم، أم هو تبجيل وتقديس لكلّ مستبد قوي غاشم طالما يتحدّى الولايات المتحدة.

ولكن هل يحق لروسيا ارتكاب كلّ تلك الجرائم، وتشريد آلاف من المدنيين وتدمير البنية التحتية لدولة ذات سيادة لمجرّد التخوّف من وجود تهديدات مستقبلية؟ وهل يحق لروسيا غزو دولة أخرى ذات سيادة، ومحاولة إزاحة نظام الحكم بالقوة وتعيين سلطة أخرى موالية؟ ألا يعتبر ذلك تصرّفاً استعمارياً يخرق قواعد القانون الدولي؟ منذ فترة، حاولت التساؤل على مواقع "فيسبوك" بشأن ما هو الفارق بين غزو روسيا أوكرانيا حاليا وغزو الولايات المتحدة العراق عام 2003، فجميعنا كان على قلب رجل واحد، واعتبرنا غزو العراق إجراما وتدميرا لمقدّرات الشعب العراقي، ليس فقط لكوننا عرباً أو مسلمين، وأنّ غزو بلد عربي يجعلنا جميعاً نشعر بالإهانة وانتقاص من الكرامة العربية، لكن أيضاً لأنّ غزو العرق كان فعلاً استعمارياً فيه خرق لقواعد القانون الدولي، وليست له أيّ مبرّرات. وفي رأي الكاتب هنا، الفعلان متساويان من منظور القانون الدولي، إذا كان غزو العراق خطأ كبيراً غير مبرّر ولأهداف استعمارية في المقام الأول، فكذلك غزو أوكرانيا.

(2)

كنت أتحدّث، قبل أيام، مع شباب مصري صغير السن، المتأثرين بالدعاية الحكومية المتلفزة، وكانوا يرون أنّ على المصريين مساندة روسيا، ولو معنوياً، ضد أوكرانيا، لأنّ الأخيرة حليف للولايات المتحدة وإسرائيل، وهما من تعاديان مصر وتحاولان تدميرها، هكذا قال بمنتهى البساطة.

لم يكن من المجدي كثيراً الحديث عن خريطة التحالف، وكيف أن كل ما يروّج في الفضائيات عن ذلك العداء والمخططات أكاذيب، ليس لها علاقة بالواقع، بل الواقع أن هناك علاقات صداقة وتحالفا عميقا وتعاونا متكاملا بين مصر والولايات المتحدة وإسرائيل، لا يعكره سوى بعض المطالبات الاميركية الشكلية الخاصة بملف حقوق الإنسان في مصر بين حين وآخر.

من المثبت تاريخياً أنّ الاتحاد السوفييتي أول دولة اعترفت بقيام دولة إسرائيل عام 1948

أما علاقة روسيا بإسرائيل فلا تقلّ عمقا عن علاقتها بمصر، فرغم دوران إسرائيل في فلك الغرب والولايات المتحدة إلّا أنّ من المثبت تاريخياً أنّ الاتحاد السوفييتي أول دولة اعترفت بقيام دولة إسرائيل عام 1948، بالإضافة إلى العلاقات التاريخية المرتبطة بهجرة اليهود الروس ويهود أوروبا الشرقية ودورهم في تأسيس دولة إسرائيل ونهوضها. أما علاقة مصر بروسيا فلا تقل عمقاً عن علاقتها بالولايات المتحدة أيضاً، وهناك مجالات كثيرة لتعاون عميق، مثل التسليح والسياحة والتجارة، وإن كان الحليف الروسي ليس بثقل الحليف الأميركي وقوته وحجمه بالنسبة لمصر، لكنّ الحليف الروسي لا يتحدّث عن حقوق الإنسان، ولا يرى لذلك أهمية، وهو ما يجعل له بعض الأفضلية لدى صنّاع القرار، وبالتالي أفضلية لدى وسائل الإعلام التابعة. ولذلك كان من غير الموفق وصف حكومة أوكرانيا بالنازية التي يجب خلعها بالقوة لتحرير شعب أوكرانيا، بل المفارقة أن بوتين يسلك سلوكاً مشابهاً لما فعله هتلر عند غزو بولندا قبل الحرب العالمية الثانية، وأعتقد أنّ الزهو بالقوة العسكرية الروسية له دور كبير في ما يحدث الآن. 

(3)

لا يختلف كثيراً مؤيدو تدمير أوكرانيا بدعوى حماية الأمن القومي عن مؤيدي إبادة المختلف في الفكر من بني جلدتهم تحت ذريعة الأمن القومي أيضا، ففي أوطاننا العربية تجد كثيرين من مؤيدي السلطة لا مشكلة لديهم في حبس كل معارض سلمي يحاول الانتقاد بهدف الإصلاح وسحله وقتله، ينشرون تبريرات السلطة نفسها بدون التوقف دقيقة من أجل التفكير أو النظر بشكل إنساني. . وبشكل عام، تكون زاوية الرؤية الفيصل في الأمر، ففي حوادث كثيرة، ستجد هناك وجهات نظر حسب مكان الناظر وانتمائه، فمثلاً عند الحديث عن مذابح الأرمن تجد من ينكرها أو يبرر حدوثها، وعند الحديث عن انتهاكات نظام الحكم في تركيا حالياً ضد الأكراد تجد أيضاً من يحاول تبرير ذلك بدعوى أنّ ذلك ضروري من أجل محاربة الإرهاب والحفاظ على الدولة التركية. ستجد كذلك البوذيين يبرّرون المذابح ضد المسلمين في ميانمار بأنّها رد فعل اضطراري من أجل محاربة الإرهاب، كذلك يبرر الصهاينة جرائمهم ضد الشعب الفلسطيني بأنّ ما يفعلونه من قتل واغتصاب للحقوق هو مجرد دِفَاع شرعي عن النفس. 

ليس للمثالية والمبادئ مكان كبير في السياسة، لكن لا يجب أن يكون هذا هو المعيار لمن يبحث عن العدالة أو لديه أفكار إصلاحية

وأخيراً، انتشرت تغريدة لشيخ الأزهر، أحمد الطيب، يدين فيها العدوان الغاشم على الشعب الأوكراني، ويطالب شعوب العالم بمؤازرة هذا الشعب، وهي تغريدة موفقة كثيراً، فالإنسانية تحتم علينا التضامن مع جميع المظلومين من دون التقيد بالدِّين أو الجنس أو العرق. وتخلخل التغريدة فكرة الدعاء والتضامن مع المسلمين فقط، فجوهر القيم الإسلامية السمحة أن نتضامن مع المظلوم، أيّاً كانت جنسيته أو عقيدته، ومن الصواب أن يكون التضامن مع المبدأ والقيم وليس بانتقائية.

لا يعني هذا أنّ الغرب ملائكي أو مثالي، فهناك مواقف لا حصر لها تتناقض مع ادّعاءات حقوق الإنسان وحقوق الشعوب، مثل التاريخ الاستعماري الطويل قديماً، والتحيز الدائم لإسرائيل حديثاً، وكذلك صعود الشعبوية والتيارات اليمينية المتطرّفة في الغرب بسرعة كبيرة. وصحيح أيضاً أنّه ليس للمثالية والمبادئ مكان كبير في السياسة، لكن لا يجب أن يكون هذا هو المعيار لمن يبحث عن العدالة أو لديه أفكار إصلاحية أو يدافع عن الحقوق والحريات.

DE3D25DC-9096-4B3C-AF8F-5CD7088E3856
أحمد ماهر

ناشط سياسي مصري، مؤسس حركة 6 إبريل، حكم عليه بالحبس ثلاث سنوات، بتهمة التظاهر بدون ترخيص، وأفرج عنه في يناير 2017