"العدالة والتنمية"… نهاية حقبة؟
حملت نتائج الانتخابات البلدية التركية التي جرت الأسبوع الماضي مؤشّرات كثيرة إلى مستقبل البلاد في السنوات القليلة المقبلة، وخصوصاً لجهة إمكان استمرار حزب العدالة والتنمية، الحاكم منذ أكثر من 22 عاماً، في قيادة البلاد، وتكرار الفوز في الانتخابات التشريعية، وهو الذي حقق رقماً قياسياً في هذا السياق عبر الفوز بستة انتخابات برلمانية بشكل متتالٍ منذ عام 2002.
كانت تلك الفترة ذروة صعود الحزب، والتي يبدو أنها بدأت بالأفول. ليس الأمر مرتبطاً فقط بنتائج الانتخابات البلدية أخيراً، فالأمر بدأ قبل ذلك. حتى الانتخابات الرئاسية التي جرت في مايو/ أيار الماضي، والتي فاز فيها الرئيس رجب طيب أردوغان بصعوبة، كان من المفترض أن تدقّ جرس الإنذار في الحزب، وهو ما لم يحصل. فهناك إجماع على أن فوز أردوغان لم يأت من شعبيته الشخصية أو ثقة بالحزب، بقدر ما كان مرتبطا بضعف مرشّح المعارضة كمال كلجدار أوغلو.
مع ذلك، لم يلجأ الرئيس التركي إلى تعديلٍ في السياسات الكثيرة التي أفقدت الحزب شعبيته، بل استمرّ على النهج السابق نفسه، إلى أن جاءت الانتخابات البلدية، والتي يبدو أن أردوغان شعر فعلياً هذه المرّة بخطر ما تحمله من تداعياتٍ على مستقبل الحزب وحكمه تركيا. وعلى هذا الأساس، خرج على العلن ليعلن أن نتائج الانتخابات "تشكّل منعطفا" بالنسبة لحزبه. وتعهد الرئيس التركي بتحليل نتائج الاقتراع، وأكّد أن حزبه سيجري بكل شفافية وشجاعة النقد الذاتي ويعمل على إصلاح الأخطاء.
لكن هل لا يزال ذلك ممكناً أم أن أوانه قد فات؟ هناك مجموعة كبيرة من المشكلات التي يعاني منها حزب العدالة والتنمية، لعل أهمها غياب القيادات القادرة على استكمال المسيرة التي بدأت قبل نحو 25 عاماً. الحزب اليوم متمحورٌ حول شخص رئيسه أردوغان، وخروج الأخير من الصورة سيمثل انهياراً كاملاً للحزب. للأسف، طغت، في السنوات الماضية، الشخصنة على السياسة الحزبية لـ"العدالة والتنمية"، وحتى النجاحات النسبية التي تحققت انتخابياً جاءت بفعل وجود رئيسه، وليس لثقة الناخبين بالحزب وسياساته.
لأسباب مختلفة، جرى في السنوات الماضية، تفريغ الحزب من القيادات التي كان من الممكن أن تمثل امتداداً لنهج "العدالة والتنمية" سنوات طويلة إلى الأمام، فشهد الحزب انشقاقاتٍ عديدة أضعفت مكانته بين الناخبين الأتراك عموماً، وليس التيار الإسلامي فقط. أسماء كبيرة كانت تشكّل ثقلاً في الحزب خرجت في إطار خلافات داخلية، وتباينات في وجهات النظر مع الرئيس أردوغان. في مقدمة هذه الأسماء أحمد داود أوغلو الذي كان يعد المنظّر الأساسي لحزب العدالة والتنمية وعبد الله غول الذي تولى رئاسة الحكومة في الفترة الأولى لحكم الحزب حين كان أردوغان ممنوعاً من تولّي مناصب رسمية، وهو سارع فعلاً إلى التنازل عن رئاسة الحكومة لأردوغان فور رفع الحظر عنه. وهناك علي باباجان، والذي ساهم بشكل أساس في نهضة الاقتصاد التركي، وكثيرون يرون أن هناك حاجة اليوم لوجوده في ظل الانهيار الذي يشهده هذا الاقتصاد حالياً.
لم يخرج هؤلاء وحدهم من "العدالة والتنمية"، بل انضم إليهم أنصار ومؤيدون من داخل الحزب وخارجه، خصوصاً بعدما اتّجه كل منهم إلى تأسيس أحزاب صغيرة، لم تظهر بشكل كبير على الساحة المحلية، لكنها ساهمت في سحب البساط من تحت أقدام "العدالة والتنمية".
صحيح ما قاله أردوغان، فالحزب حقيقة أمام لحظة مفصلية، وليس الوقت في صالحه، وهناك خطر حقيقي بخسارة الحكم، خصوصاً في ظل العجز عن تصعيد قيادات جديدة تحظى بالثقة التي كان يمتلكها أردوغان والمجموعة التي انفضّت لاحقاً من حوله.