العائلة الكريمة
كان من الممكن أن تنتهي أحداث مسلسل "سيب وأنا أسيب" في الحلقة الأولى، واعتباره سهرة تلفزيونية لا تتجاوز أحداثها الساعة الواحدة، لولا خيال المؤلفة ورغبة المنتج في زيادة المساحة التي تعرض الجمال الباهر للبطلة، واستغلال اسم البطل فارع الطول، في ترويج مسلسل محروق الأحداث في أكثر من فيلم سينمائي، وكأن هناك إصراراً غريباً على دسّ السُّم في العسل في أعمال درامية كثيرة، خصوصاً التي باتت تتخذ مسار العشر حلقات أو السبع، وكأنك تحصل مضطرّاً على جرعة دواء مكثفة، لأنها باهظة الثمن، بتوصية من طبيب شهير.
الحقيقة التي تكتشفها مع المشاهد الأولى للمسلسل السخيف أن الأحداث كان يمكن أن تنتهي بأن ترفع البطلة قضية خلع على زوجها، وتشهد المحاكم المصرية يومياً أعداداً لا تُحصى لحالات الخلع التي تنطوي تحت تعريف الطلاق البدعي، أي الذي تطلبه الزوجة من دون أسباب حقيقية أو قاهرة، ومن دون حرص على قوام الأسرة العربية، والذي يكون ضحيته الأطفال غالباً، بل دائماً.
على سبيل التشابه والتكرار، في عام 1964 أُنتج فيلم ذو طابع كوميدي حمل عنوان "العائلة الكريمة". وقد لعب على الحبكة نفسها التي لعب عليها المسلسل الذي أنتجته منصّة شاهد. ورغم الفارق الزمني، إلا أنك تكتشف أن البطلة التي تريد الطلاق من زوجها الذي لم يعد في مستواها الاجتماعي، بعد أن هربت منه بطريقةٍ ما، لكي تحقّق أحلامها وطموحها، وتحاول تزيين وضع عائلتها الاجتماعي، وهي عائلة فقيرة وذات سمعة سيئة. ولكنها تعود إلى الزوج الأول بمفارقات كوميديةٍ، لتثبت أن المرأة العربية لا تهنأ إلا مع الزوج الذي يلطمها على وجهها بمناسبة ودون مناسبة، والذي يكيل لها الشتائم، ولو على سبيل المزاح. والواقع أن هذا حال زوجات كثيرات يقبلن الإهانة من الزوج، بدعوى أن ضرب الحبيب يشبه أكل الزبيب. ولكن، كما أسلفت، كان من الممكن أن تنتهي قصة الفيلم والمسلسل مع قضية الخلع، وليس هناك مبرّر إطلاقاً لتمرير تشدّد الشرع مثلاً من خلال تخويف الزوجات وترهيبهن من عقوبة عدم تنفيذ حكم "بيت الطاعة" الذي يحصل عليه الزوج. وفي الأصل، حكم "بيت الطاعة" تؤمر به الزوجة ولا تُجبر عليه مثلما صوّرته الأعمال الدرامية، فشوّهت صورة الإسلام الحقيقي بأن المرأة التي ترفضه تُعَدّ ناشزاً أو تبقى معلقة من دون طلاق، فالشرع أقرّ أن يُعدّ الزوج "بيت الطاعة" بما يليق بمستوى الزوجة ومقامها، وليس مجرّد فرش من حصير وإبريق من الفخّار للماء وصفحة طعام. وكذلك في حال رفض المرأة تنفيذ الحكم بالذهاب إلى هذا البيت، فهي تفقد فقط حقّها في النفقة الزوجية، حتى يقضي الطلاق بالتفريق بينها وبين الزوج.
وقد مرّر مسلسل "سيب وأنا أسيب" طموح الزوجة العربية هذه الأيام، فالزوجة نبيلة لم تهرب من زوجها لكي تصبح عالمة فضاء أو باحثة، بل لكي تحقّق حلمها، وتصبح مصمّمة أزياء مشهورة، وإن كنا لا نغبن هذه المهنة حقّها، ولكن نبيلة الطموحة أصبحت "إنفلونسر وبلوغر"، في إشارة ورسالة موجّهة إلى جيل الشباب بأن هذه المهن المستحدثة تدرّ مالاً من دون جهد حقيقي. وبالتالي، يسعى آلاف من الشباب والشابات العرب للظهور من خلال منصّة تيك توك وغيرها من منصّات التواصل الاجتماعي، وتقديم أي محتوى من شأنه أن يدرّ مالاً مهما كان فحواه، وغالباً ما يكون خالياً من أي قيمة سوى المساهمة في انحطاط المستوى الأخلاقي لهذا الجيل.
لا يليق بنا أن نشاهد مثل هذه المسلسلات التي لعبت على وتر الشرع، ولانحدار شهامة الزوج العربي الغيور الذي يرضى أن تتحدّث زوجته مع خطيبها المستقبلي تحت سمعه وبصره. وفي النهاية، نحن بحاجة لمحاربة مثل هذه الأعمال التي ليس لها أي فائدة تُرجى سوى هدم القيم الأسرية بمعولٍ اسمه الضحك لمجرّد الضحك.