24 أكتوبر 2024
الصومال والتعدّدية الحزبية
الشافعي أبتدون
الشافعي أتبدون: إعلامي وباحث صومالي حاصل على ماجستير الصحافة من المدرسة العليا للصحافة والتواصل في باريس، صدر له كتاب "الفيدرالية في الصومال: أطماع التقسيم وتحديات الوحدة". لديه أبحاث ومقالات منشورة في مواقع ومراكز عربية وأجنبية.
انتظم، قبل أيام، مؤتمر لإزاحة الستار عن حزب سياسي جديد في مقديشو، يضم عدداً من الأحزاب السياسية وكتلة برلمانية، وغالبيتهم من أعضاء الحكومة الصومالية السابقة برئاسة حسن شيخ محمود، إلى جانب سياسيين آخرين ونواب حاليين، لكن سر هذا التجمع بين فئات متناقضة في الفكر السياسي، أو متباينة في الإيديولوجيات، هو سعيهم نحو الظفر بكرسي الرئاسة في الانتخابات المقبلة عام 2020.
كما درجت العادة في الصومال، فإن الأحزاب السياسية تتكاثر كالفطر، عند اقتراب أي موعد استحقاق انتخابي، ووضع الأحزاب الراهن أشبه بفترة الستينيات، وفي ظل الحكومات المدنية، حيث عرفت تلك الفترة ميلاد نحو 68 حزباً سياسياً، يغلبها الطابع القبلي والانتماء للعشيرة أولاً وقبل كل شيء، من دون وجود رؤى فكرية أو مبادئ سياسية، حسب المتعارف عليه في الدول الغربية، أو العربية التي جرّبت التعدّدية الحزبية، بمفاهيمها ومبادئها.
تشكّل، في مطلع عام 2011، حزب سياسي، وكان طرفا طارئا لخوض سباق الانتخابات الرئاسية عام 2012، فتم جمع فئات مختلفة من المجتمع المدني، وأقطاب سياسية تمتاز بنكهة التنوع من حيث المذهب السياسي والانتماء القبلي، فكان لهذا الحزب ما أراد، فظفر بكرسي الرئاسة، وأتيحت له كل الإمكانات الممكنة، لتأطير العمل المؤسساتي للحزب الحاكم، لكن شيئا من هذا لم يحدث، فأصبح عمل هذا الحزب بمثابة عصا موسى، فانقلب السحر على الساحر في انتخابات عام 2017، فلم يتمكّن أعضاء الحزب من العودة إلى الحكم، وأصبح ما كان متوفراً بالأمس القريب معدوماً.
حالياً، وبعد سنوات من النسيان والإهمال، تعود الروح إلى شرايين هذا الحزب، ليتحالف مع
أحزابٍ أخرى، تحت حزب جديد من أجل مهمة واحدة، من دون رؤية وطنية مستقبلية بعيدة المدى، مهمة مجرّدة من مبادئ قوية الجذور وفاقدة للولاء للحزب بدل القبلية، فتختلف مسميات الأحزاب وتتحد الأهداف، لكنها تتلاشى بعد نهاية الانتخابات، مثل المليشيات المسلحة التي أسقطت نظام سياد بري مطلع التسعينيات، ولم تجمعها رؤية وطنية، لكنها اتّحدت لإسقاط النظام، وبعدها تقاتلت، كالنار التي يأكل بعضُها بعضاً إن لم تجد ما تأكله.
ليست مستبعدةً فرضية عودة الرئيس السابق، حسن شيخ محمود، إلى سدة الحكم، فالصومال بلد المفاجآت، وليس مستبعدا أيضاً أن يعيد الرجل أخطاءه الكارثية الماضية التي وضعته في مقتل، وفي حرج مرير، بدا واضحاً في أثناء الانتخابات أخيرا لكل مراقب، أو متابع، كان شاهداً على هذه الانتخابات، فأخطاء الحكومة الفيدرالية السابقة كانت كثيرة، ففي الداخل دارت الشائعات بشأنها مثل قصر قرطاج في تونس أيام زين العابدين بن علي، وفي الخارج لم يتطوّر شيء سوى فترة تطور ملموسة في السنوات الأولى من عمرها، ولكن الزمن توقّف في لحظة سقط الأمر من بين أيديهم.
التعدّدية الحزبية التي أقرّها البرلمان الصومالي، وصادق عليها الرئيس السابق حسن شيخ محمود، تجربة لا تعتمد على أسسٍ قوية، فالشروط الكثيرة التي وضعت أمامها تقيّد هذه التعدّدية. وعلى الرغم من ذلك، تنشأ الأحزاب السياسية، يعود بعضها إلى شخص واحد، يحتفظ بدستورها ومبادئها وحده، وبعضها الآخر لم توجد سوى لأن تطلق سهام النقد على إنجازات الحكومة الفيدرالية.
ومن المتوقع إعلان حزب سياسي جديد للطبقة الحاكمة في البلاد، من دون إعادة النظر إلى
الحزب السابق الذي أسّسه الرئيس الحالي، محمد عبدالله فرماجو، فبذل جهود كبيرة في تشكيل حزب آخر خير من ترميم حزبٍ عفا عليه الزمن، هذه هي التجربة الحزبية الواردة في الصومال، وهكذا دواليك.
وإذا كانت بعض الدول العربية، وخصوصا لبنان، عرفت ما تعرف بالبيوت السياسية، نظراً إلى الخبرة والتجربة السياسية التي تتمتع بها، فتتوارث الأجيال عن السياسة، وتستمر التجربة الحزبية من دون انقطاع، فإنه يمكن في الصومال لأي كان أن يصبح سياسياً مشهوراً، من دون أي خلفية فكرية أو مبادئ سياسية يعتقدها، وبعدها يتنقل بين الدول، عضوا في البرلمان أو وزيرا أو رئيس بعثة أو ما شابه ذلك.
أياً كانت مبرّرات تأسيس الأحزاب السياسية في الصومال، فإن ما هو مشكلٌ حقاً أن تستمر هذه البلطجة السياسية التي يمارسها بعضهم، فاستغلال عواطف الشباب الجياشة، وإهدار طاقاتهم بعد الوصول إلى الحكم، أمر فيه كثير من الشؤم والغضاضة وعدم الوفاء بالالتزامات، وهذا ما سيورّث غبناً دفيناً في نفوس شبابٍ كثيرين، ويقلل من ثقتهم، وينال من رصيدهم السياسي مستقبلاً.
التعدّدية الحزبية مجرّد تقليد سياسي قديم، وعلى هذا النحو المنتشر في الصومال، فالتجربة الحزبية التي يتوق إليها الجميع هي التي تحوز قدرا عاليا من المبادئ والرؤية المستقبلية بقدر ما هي آلية للوصول إلى سدة الحكم، أو وجه آخر للقبلية السياسية في البلاد، فإذا تحوّلت هذه التجربة إلى النظرية الميكيافيلية، فإنها لن تغير شيئاً من واقع الصومال السياسي، حاضراً ومستقبلاً.
كما درجت العادة في الصومال، فإن الأحزاب السياسية تتكاثر كالفطر، عند اقتراب أي موعد استحقاق انتخابي، ووضع الأحزاب الراهن أشبه بفترة الستينيات، وفي ظل الحكومات المدنية، حيث عرفت تلك الفترة ميلاد نحو 68 حزباً سياسياً، يغلبها الطابع القبلي والانتماء للعشيرة أولاً وقبل كل شيء، من دون وجود رؤى فكرية أو مبادئ سياسية، حسب المتعارف عليه في الدول الغربية، أو العربية التي جرّبت التعدّدية الحزبية، بمفاهيمها ومبادئها.
تشكّل، في مطلع عام 2011، حزب سياسي، وكان طرفا طارئا لخوض سباق الانتخابات الرئاسية عام 2012، فتم جمع فئات مختلفة من المجتمع المدني، وأقطاب سياسية تمتاز بنكهة التنوع من حيث المذهب السياسي والانتماء القبلي، فكان لهذا الحزب ما أراد، فظفر بكرسي الرئاسة، وأتيحت له كل الإمكانات الممكنة، لتأطير العمل المؤسساتي للحزب الحاكم، لكن شيئا من هذا لم يحدث، فأصبح عمل هذا الحزب بمثابة عصا موسى، فانقلب السحر على الساحر في انتخابات عام 2017، فلم يتمكّن أعضاء الحزب من العودة إلى الحكم، وأصبح ما كان متوفراً بالأمس القريب معدوماً.
حالياً، وبعد سنوات من النسيان والإهمال، تعود الروح إلى شرايين هذا الحزب، ليتحالف مع
ليست مستبعدةً فرضية عودة الرئيس السابق، حسن شيخ محمود، إلى سدة الحكم، فالصومال بلد المفاجآت، وليس مستبعدا أيضاً أن يعيد الرجل أخطاءه الكارثية الماضية التي وضعته في مقتل، وفي حرج مرير، بدا واضحاً في أثناء الانتخابات أخيرا لكل مراقب، أو متابع، كان شاهداً على هذه الانتخابات، فأخطاء الحكومة الفيدرالية السابقة كانت كثيرة، ففي الداخل دارت الشائعات بشأنها مثل قصر قرطاج في تونس أيام زين العابدين بن علي، وفي الخارج لم يتطوّر شيء سوى فترة تطور ملموسة في السنوات الأولى من عمرها، ولكن الزمن توقّف في لحظة سقط الأمر من بين أيديهم.
التعدّدية الحزبية التي أقرّها البرلمان الصومالي، وصادق عليها الرئيس السابق حسن شيخ محمود، تجربة لا تعتمد على أسسٍ قوية، فالشروط الكثيرة التي وضعت أمامها تقيّد هذه التعدّدية. وعلى الرغم من ذلك، تنشأ الأحزاب السياسية، يعود بعضها إلى شخص واحد، يحتفظ بدستورها ومبادئها وحده، وبعضها الآخر لم توجد سوى لأن تطلق سهام النقد على إنجازات الحكومة الفيدرالية.
ومن المتوقع إعلان حزب سياسي جديد للطبقة الحاكمة في البلاد، من دون إعادة النظر إلى
وإذا كانت بعض الدول العربية، وخصوصا لبنان، عرفت ما تعرف بالبيوت السياسية، نظراً إلى الخبرة والتجربة السياسية التي تتمتع بها، فتتوارث الأجيال عن السياسة، وتستمر التجربة الحزبية من دون انقطاع، فإنه يمكن في الصومال لأي كان أن يصبح سياسياً مشهوراً، من دون أي خلفية فكرية أو مبادئ سياسية يعتقدها، وبعدها يتنقل بين الدول، عضوا في البرلمان أو وزيرا أو رئيس بعثة أو ما شابه ذلك.
أياً كانت مبرّرات تأسيس الأحزاب السياسية في الصومال، فإن ما هو مشكلٌ حقاً أن تستمر هذه البلطجة السياسية التي يمارسها بعضهم، فاستغلال عواطف الشباب الجياشة، وإهدار طاقاتهم بعد الوصول إلى الحكم، أمر فيه كثير من الشؤم والغضاضة وعدم الوفاء بالالتزامات، وهذا ما سيورّث غبناً دفيناً في نفوس شبابٍ كثيرين، ويقلل من ثقتهم، وينال من رصيدهم السياسي مستقبلاً.
التعدّدية الحزبية مجرّد تقليد سياسي قديم، وعلى هذا النحو المنتشر في الصومال، فالتجربة الحزبية التي يتوق إليها الجميع هي التي تحوز قدرا عاليا من المبادئ والرؤية المستقبلية بقدر ما هي آلية للوصول إلى سدة الحكم، أو وجه آخر للقبلية السياسية في البلاد، فإذا تحوّلت هذه التجربة إلى النظرية الميكيافيلية، فإنها لن تغير شيئاً من واقع الصومال السياسي، حاضراً ومستقبلاً.
دلالات
الشافعي أبتدون
الشافعي أتبدون: إعلامي وباحث صومالي حاصل على ماجستير الصحافة من المدرسة العليا للصحافة والتواصل في باريس، صدر له كتاب "الفيدرالية في الصومال: أطماع التقسيم وتحديات الوحدة". لديه أبحاث ومقالات منشورة في مواقع ومراكز عربية وأجنبية.
الشافعي أبتدون
مقالات أخرى
03 سبتمبر 2024
18 اغسطس 2024
27 يوليو 2024