السيسي شريكاً للاتحاد الأوروبي في قيادة مكافحة الإرهاب!
اتجه الاتحاد الأوربي خلال الشهر الماضي (يناير/ كانون الثاني) إلى تصعيد نوعي لعلاقته مع مصر، بإعلان الترشّح مع الحكومة المصرية لرئاسة مشتركة للمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، إذ سيتم تجديد رئاسة المنتدى في الاجتماع الذي سيعقد للجنته التنسيقية في الشهر المقبل (مارس/ آذار)، فأيّ دروس مستفادة، وأيّ نموذج ينتظر أن تقدّمه مصر للعالم في وقت يجري على أرضها أسوأ استغلال لخطاب مكافحة الإرهاب وسياساته، باعتبارها من أسس استراتيجية البقاء لنظام عبد الفتاح السيسي. وقد كان للحكومة الفرنسية دور مركزي في تبنّي الاتحاد الأوروبي هذا الترشيح، نظراً إلى عمق تعاونها الأمني والعسكري القريب مع الحكومة المصرية التي تعد الآن ثاني أكبر مستورد للأسلحة الفرنسية بعد الهند من 2016 إلى 2020. شاركت الحكومة الفرنسية نفسها، وبحسب تسريب لموقع ديسلكوز الفرنسي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، في تنفيذ عمليات عسكرية في الحدود الغربية من الأراضي المصرية وتنسيقها، راح ضحيتها مدنيون مصريون. وكان الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، قد قال، صراحة، في مؤتمر صحافي جمعه بالرئيس المصري في باريس في ديسمبر/ كانون الأول 2020، إنّ التعاون العسكري والاقتصادي مع مصر لن يكون مشروطاً بالقضايا الخلافية في ملف حقوق الإنسان.
يضم المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب في عضويته 30 دولة، من بينها الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وروسيا والصين، والهند، وجنوب أفريقيا ودول ممثلة للاتحاد الأوروبي، وبعض البلدان العربية. وقد تأسس عام 2011 بهدف صياغة السياسات والمؤسسات الدولية لمكافحة الإرهاب وهندستها، والتطرّف العنيف بالتنسيق مع مختلف أجهزة الأمم المتحدة، والمنظمات الحكومية الإقليمية. بدأ التعاون بين مصر والاتحاد الأوروبي في سياق هذا المنتدى عام 2017، برئاسة مشتركة لمجموعة عمل معنية ببناء قدرات دول شرق أفريقيا، وهو العام نفسه الذي استأنف فيه الاتحاد الأوروبي كامل علاقاته مع الحكومة المصرية ضمن حزم المساعدات المالية، والتعاون التجاري والأمني والاستراتيجي في إطار سياسة الجوار الأوروبية، بعد توقف مجالس الشراكة المصرية الأوروبية منذ إبريل/ نيسان 2010.
لم يتعلم المجتمع الدولي بعد من حجم الكوارث التي أحدثها الغطاء السياسي لهذه الحرب في تخريب أسس دولة القانون، ودعم الأنظمة السياسية الاستبدادية
القرار الأوروبي للترشّح مع الحكومة المصرية لقيادة المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، على الرغم مما هو معروف عن السلطات المصرية بالتوظيف الصارخ والمنهجي لسياسات مكافحة الإرهاب وتشريعاتها، خصوصا خلال السنوات الثماني الأخيرة، لا يعني سوى أنّ المجتمع الدولي، وبعد أكثر من عشرين عاماً على إطلاق ما تعرف دولياً بالحرب على الإرهاب بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول، لم يتعلم من حجم الكوارث التي أحدثها الغطاء السياسي لهذه الحرب في تخريب أسس دولة القانون، ودعم الأنظمة السياسية الاستبدادية في تجريف كامل للسياسة تحت ذريعة مكافحة الإرهاب. وقد ساهم بعضٌ من هذه الأنظمة بصور مختلفة في استمرار الظاهرة الإرهابية، وتوسّع منظماته لتعظيم الفوائد السياسية دولياً وإقليمياً، أو استدعاء قوى عسكرية أجنبية كما لجأ نظام بشار الأسد في سورية لمساندته في جرائمه ضد المدنيين السوريين. وقد قدّمت هذه المنظومة الدولية في مكافحة الإرهاب سنداً سياسياً ودعائياً للاحتلال الإسرائيلي في نعت كيانات حقوقية فلسطينية بارزة بالإرهاب. ولم يكن غريباً، إذاً، أن تستند مؤسسات الاتحاد الأوروبي وبعض الحكومات الأوروبية لتجميد مساعدات مالية تتحصل عليها مؤسسات مجتمع مدني فلسطينية مشتغلة بالتنمية وحقوق الإنسان منذ مايو/ أيار 2021 إلى تقارير أعدتها الحكومة الإسرائيلية، تزعم فيها استخدام منظمات غير حكومية فلسطينية التمويل الأوروبي لتمويل أنشطة إرهابية. في سابقة خطيرة تجعلنا نخشى أن ترضخ المفوضية الأوروبية في المستقبل لمزاعم مصرية مشابهة ضد المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان المصريين، وخصوصا أن الطرف المصري تم تصعيده من الجانب الأوروبي لصفة الشريك لقيادة واحدة من أهم المؤسسات العالمية في مجال مكافحة الإرهاب.
الأوضاع المروّعة في سجون السيسي بيئة خصبة لتجنيد المقاتلين لصالح "داعش" خصوصاً بين السجناء الذين تعرّضوا للتعذيب
وقد عمدت السلطات المصرية، في أكثر من مناسبة منذ عام 2015، إلى تغليظ تشريعات مكافحة الإرهاب، وتوجيهها بعيداً عن أهدافها المعلنة لتوظفها في محاربة المجتمع المدني المصري، ومحاكمة المعارضين السياسيين السلميين ونشطاء المجتمع المدني وسجنهم، مستغلةً تعريفاً واسعاً شديد العمومية والغموض للجريمة الإرهابية، والكيانات الإرهابية، وتوسيع صلاحيات الأجهزة الأمنية من دون رقابة. واليوم يمثل استسهال ضم المصريين على قوائم الإرهاب، بما لهذه القرارات من تداعيات قانونية وعملية على حياة هؤلاء المصريين، واحدة من أخطر التداعيات التي لا تقوّض فقط الحريات الدستورية، لكنّها تفقد المصداقية والثقة في سياسات مواجهة الإرهاب ذاتها، وتزيد من تسييس السلطة القضائية، فبين عامي 2016 و2018 تم وضع أكثر من 6000 شخص على قوائم الإرهاب. وفي الشهور القليلة السابقة على القرار الأوروبي للترشح مع مصر لهذا المنصب الدولي، أيدت محكمة النقض المصرية وضع عدد من أبرز الحقوقيين والسياسيين المصريين على قوائم الإرهاب، من ضمنهم المرشّح الرئاسي السابق ورئيس حزب مصر القوية عبد المنعم أبو الفتوح، والمحاميان محمد الباقر وزياد العليمي، والناشط السياسي علاء عبد الفتاح، وغيرهم كثيرون لا صلة لهم بالعنف والإرهاب. وقد اعتمد إدراج هذه الشخصيات في قوائم الإرهاب، وبشهادة محاميهم، على تحرّيات الأجهزة الأمنية من دون أي دليل أو سند قانوني، وفي اختلال فاضح للإجراءات، وضمانات الدفاع والمحاكمات العادلة. من ناحية أخرى، تظل السياسة المصرية الداخلية جزءاً من مشكلة تعاظم التطرّف العنيف في منطقة الشرق الأوسط، والتجنيد في صفوف منظماته. فعلى سبيل المثال، وبحسب دراسة ميدانية موثّقة نشرتها في سبتمبر/ أيلول الماضي منظمة "هيومان رايتس فيرست" الأميركية، ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، تحت عنوان "القنابل الموقوتة"، أصبحت الأوضاع المروّعة في سجون السيسي بيئة خصبة لتجنيد المقاتلين لصالح تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، خصوصاً وسط السجناء الذين تعرّضوا للتعذيب.
انتقاد هذه الشراكة غير المسبوقة التي يسعى إليها الاتحاد الأوروبي مع الحكومة المصرية لا يعني التقليل من خطر المنظمات الإرهابية، والتطرّف العنيف، وأهمية التعاون الدولي والإقليمي لمواجهته، بما فيها أن تكون هناك صور للتعاون الذي تحتّمه الضرورة مع مختلف البلدان، خصوصاً دول الجوار للاتحاد الأوروبي بما فيها مصر. لكن شتان بين التعاون والحوار الأمني، وبين منح دور قيادي عالمي، ومواصلة التستر على جرائم شريك يعد من أخطر النماذج وأكثرها انتهازية في استغلال سياسات مكافحة الإرهاب وإمكاناتها محلياً ودولياً.