السياسة الأميركية تجاه مصر في ظل إدارة بايدن

01 مارس 2021

بايدن نائبا للرئيس بايدن يتباحث مع مبارك في شرم الشيخ (7/6/2010/فرانس برس)

+ الخط -

من المهم الوقوف على مجموعة من الاعتبارات الحاكمة، في سياق تحليل (واستشراف) توجهات السياسة الخارجية الأميركية تجاه مصر في ظل إدارة الرئيس جو بايدن. أولها موقف بايدن من ثورة 2011 وانقلاب 2013، فقد اتسم الموقف الأميركي، في ظل إدارة الرئيس باراك أوباما ونائبه جون بايدن، ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون، تجاه ثورة 25 يناير بدرجة عالية من التذبذب وعدم وضوح الرؤية، وارتبط هذا التذبذب بعوامل واعتبارات عديدة، إلا أن الإدارة الأميركية دعمت الانقلاب العسكري في مصر في 2013 على الرغم من خطابها الديمقراطي، وتغاضت عن إدانة مجزرة ميدان رابعة العدوية، على الرغم من دعواتها المتكرّرة عن حماية حقوق الإنسان في ظل إدارة أميركية ديموقراطية، يرأسها أوباما، ونائبه هو بايدن الذي عاد بعد أربع سنوات للإدارة رئيساً للولايات المتحدة، متبنياً الخطاب نفسه والدعوات نفسها عن الديمقراطية وحقوق الإنسان.
لقد جمعت بايدن علاقات طويلة امتدت سنوات، خلال عمله سيناتوراً ديمقراطياً في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، والرئيس المصري السابق، حسني مبارك، وأركان نظامه في مجال السياسة الخارجية، لذا لم يكن مرحباً بثورة 25 يناير، ولا بالحراك الشعبي ضد مبارك. وخلال أيام الثورة، نفى أن يكون مبارك ديكتاتوراً، قائلاً إنه يعرف مبارك جيداً. وأضاف "الوقت حان لكي يتحرك مبارك في الطريق الذي يلبي مطالب شعبه، وهناك كثيرون من أفراد الطبقة الوسطى ممن يبحثون عن ظروف أفضل وفرص أكثر. وأؤكد أن هناك شيئين مهمين، أن العنف ليس وسيلة مناسبة، وأن للشعب الحق في التظاهر، ونحن نعتقد أن الرئيس مبارك سوف يلبي بعض المطالب المشروعة التي عبر عنها المتظاهرون". وفي رده على سؤال إذا كان مبارك يجب النظر إليه على أنه ديكتاتور، قال بايدن: "مبارك كان حليفاً لنا في قضايا عديدة، وكان حليفاً مسؤولاً. ولن أصفه بالديكتاتور". وأضاف "على الناس في الشارع أن يكونوا حذرين أيضاً وعدم اللجوء إلى العنف. ومن المهم جداً أن تتوفر للشعب الآلية للتعبير عن مطالبه المشروعة".

لا يبدي بايدن عداءً مبدئياً للمسلمين، بل إنه سعى كثيراً إلى التواصل معهم في الولايات المتحدة، من أجل كسب أصواتهم

وفي اتصاله مع نائب مبارك آنذاك، عمر سليمان، دعا بايدن إلى التزام ضبط النفس، والشروع فوراً في مفاوضات شاملة وذات مصداقية، لكي تنتقل مصر إلى حكم ديمقراطي، يلبي تطلعات الشعب المصري. وشدد على "أن الحكومة المصرية مسؤولة عن ضمان أن المظاهرات السلمية لا تؤدي إلى العنف والترهيب، والسماح للصحافيين ودعاة حقوق الإنسان بالقيام بعملهم المهم، بما في ذلك الإفراج فوراً عن المحتجزين".
العامل الثاني، موقف بايدن من الإسلاميين في مصر، فهو لا يمتلك مقاربة واضحة بشأن التعامل مع الحركات الإسلامية، وأقصى ما يمكن أن يذهب إليه تخفيف الضغوط التي تمارسها الدكتاتوريات المحلية على هذه الحركات، خوفاً من حدوث انفجارات اجتماعية تعيد صياغة ثورات شعبية، قد تؤثر على المصالح الأميركية في المنطقة. وهو لا يبدي عداءً مبدئياً للمسلمين، بل إنه سعى كثيراً إلى التواصل معهم في الولايات المتحدة، من أجل كسب أصواتهم، ووجه لهم تسجيلاً خاصاً، وكان لهم دور مهم في دعم حملته الانتخابية، كما أنه ليست لديه تحفظات محدّدة في التعامل مع الحركات الإسلامية، ولكن المؤكد أن لديه مشاعر قلق من التوجهات السياسية للإخوان المسلمين، ومن إمكانية تأثير وصولهم إلى السلطة في أي دولة عربية على المصالح الأميركية، وخصوصاً إذا تولّى "الإخوان" السلطة في بلد محوري كمصر.
وفي هذا السياق، يمكن القول إن من المستبعد أن تستجيب إدارة بايدن للمطالب التي قد يتقدم بها النظام المصري وحلفاؤه الإقليميون لتصنيف "الإخوان" جماعة إرهابية، لا سيما أن ترامب ذاته لم يتمكن من تنفيذ هذه الخطوة، على الرغم من حماسه لها، بسبب التعقيدات التي يمكن أن يتركها هذا القرار على علاقات واشنطن بدول عربية وإسلامية، تشكل الحركات والجماعات المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين فيها مكوناً أساسياً لا غنى عن التواصل معه، بالإضافة إلى التعقيدات المتعلقة بتأثير ذلك على المسلمين الأميركيين وبعض مؤسسات المجتمع المدني الأميركية ذات الصبغة الإسلامية.

في أثناء حملته الانتخابية، هاجم بايدن، في تغريدتين على "تويتر"، نظام السيسي، بسبب انتهاكاته في الملف الحقوقي

وإذا كان بايدن لا يُبدي عداءً مبدئياً لجماعة الإخوان، إلا أن من المتوقع أيضاً ألا تُبدي إدارته حماساً لأي لقاءاتٍ رسميةٍ مباشرة معها، أو مع رموزها البارزة، حفاظاً على علاقة الإدارة بالنظام. ومن هنا، قد تكون اللقاءات غير المباشرة بين الطرفين الوسيلة المناسبة للتواصل، ومنها التواصل مع بعض أعضاء الكونغرس والمؤسسات غير الحكومية ومراكز الدراسات والجامعات ووسائل الإعلام الأميركية. أي أن السياسة التي ستنتهجها إدارة بايدن تجاه الإسلاميين لن تكون محكومة بمنطق السياسة العامة التي تنسحب على كل الإسلاميين، وإنما سيتم التعامل مع كل حالةٍ على حدة، بحسب المحدّدات التفصيلية للمصلحة الأميركية في كل بيئة سياسية. وبالتالي، ليس مستبعداً أن تستفيد بعض التيارات السياسية ذات المرجعية الإسلامية من حرية الحركة التي يمكن أن يتم فتحها في ظل إدارة بايدن، وخصوصاً في النظم السياسية العربية التي تعاني من أزمات حقيقية.
العامل الثالث، علاقة بايدن بالرئيس عبد الفتاح السيسي، ففي أثناء حملته الانتخابية، هاجم بايدن، في تغريدتين على "تويتر"، نظام السيسي، بسبب انتهاكاته في الملف الحقوقي، كانت الأولى في 16 يناير/ كانون الثاني 2020 بمناسبة وفاة المعتقل المصري الأميركي، مصطفى قاسم، بعد ست سنوات من السجن في مصر. وقال بايدن في حينها "إنه أمر شائن". وأضاف أن الأميركيين المحتجزين ظلماً في أي مكان في العالم يستحقون دعم حكومتنا الكامل والجهود الحثيثة لتأمين إطلاق سراحهم. وكانت الثانية في 12 يوليو/ تموز 2020 بعد عودة المواطن المصري الأميركي، محمد عماشة، بعد سجنه 486 يوماً في مصر بسبب حمله لافتة للاحتجاج، وهاجم فيها بايدن السيسي نفسه، بوصفه "الدكتاتور المفضل" لترامب. وقال إن "اعتقال ناشطين وتعذيبهم ونفيهم، مثل سارة حجازي ومحمد سلطان، أو تهديد عائلاتهم، غير مقبول. لا مزيد من الشيكات الفارغة للديكتاتور المفضل لترامب".

يبقى الرهان الوحيد على قبول إدارة بايدن بتغيير حقيقي وانتقال ديمقراطي في مصر، على حدوث انتفاضة شعبية أو حراك سياسي فاعل ومؤثر

وفي ظل هذه العوامل الثلاثة، يمكن القول إن الرهان على اتجاه إدارة بايدن إلى ممارسة ضغط حقيقي على نظام السيسي لإحداث تغيير في سياساته الاستبدادية يحتاج إلى إعادة نظر، استناداً لعدة اعتبارات، منها: العلاقة الاستراتيجية بين واشنطن والقاهرة، حيث تشكل المصالح الاستراتيجية الأميركية أولوية لأي إدارة أميركية، حتى لو كان ذلك ينطوي على التعاون مع الأنظمة الاستبدادية. إن لدى نظام السيسي مجالاً للمناورة، إذ اتجه منذ سنوات شرقاً نحو روسيا، وأبرم صفقات عسكرية وتجارية واقتصادية عديدة، وأجرى الجيش المصري عدة أنشطة عسكرية مشتركة مع نظيره الروسي. كذلك عزّز علاقاته مع الصين، خصوصاً في القضايا التجارية والمالية والاقتصادية، ورفع حجم التجارة والاستثمار بين البلدين. إن بايدن سيواجه شرق أوسط يعاني من استقطاب أشد مما كان عليه الوضع في ظل إدارة أوباما، وقد يواجه مقاومة من حلفاء واشنطن في المنطقة، من أجل الاستمرار في انتهاج سياستهم الخاصة، ويمكن أن تجد الإدارة الجديدة نفسها مضطرّة إلى التمسّك الخطابي بمبادئ الديمقراطية وقيمها، ولكن من دون تحقيق أي منها. استمرار النهج الأوبامي في السياسة الخارجية، فكما فعل أوباما، يمكن أن تتحدث إدارة بايدن، من وقت إلى آخر، عن حالات فردية محدّدة يتردد صداها مع قطاعات من الجمهور الأميركي. إن الاحتمال الأكبر أن تظل التغييرات في السياسة الخارجية الأميركية لإدارة بايدن تجاه مصر قاصرة على مستوى الخطاب، ولن تشكل تغييراً حقيقياً في العلاقات السياسية معها، بحيث توجّه إدارة بايدن انتقادات، بين حين وآخر، إلى سياسات القمع التي يقوم بها نظام السيسي لبعض شخصيات المعارضة والنشطاء السياسيين، وخصوصاً من الليبراليين، ولن تتعاطى بفاعلية مع أي ملفاتٍ تخص التيارات السياسية ذات المرجعية الإسلامية.
ويبقى الرهان الوحيد على قبول إدارة بايدن بتغيير حقيقي وانتقال ديمقراطي في مصر، على حدوث انتفاضة شعبية أو حراك سياسي فاعل ومؤثر في مصر، ووجود بديل سياسي قوي يمتلك مشروعاً واضحاً لإدارة عملية الانتقال وقيادتها. وهنا يمكن أن تتخلى إدارة بايدن عن السيسي، كما فعل أوباما مع مبارك عام 2011، ليس من باب دعم التغيير والانتقال الديمقراطي، ولكن من باب إدارة هذا الانتقال بما يتفق والمصالح الاستراتيجية الأميركية في مصر وفي المنطقة.

A57B9A07-71B2-477E-9F21-8A109AA3A73D
عصام عبد الشافي

باحث وأكاديمي مصري، دكتوراه الفلسفة في العلوم السياسية، يعمل أستاذاً للعلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة رشد التركية، من مؤلفاته: البعد الديني في السياسة الأمريكية تجاه المملكة العربية السعودية (2013)، السياسة الأمريكية والثورة المصرية (2014).