الدعم الأميركي للنظام العراقي
بعد أسبوع من الذكرى الـ 21 للاحتلال الأميركي العراق، ربما يكون رئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني على موعد مع الرئيس الأميركي جو بايدن، في أوّل لقاء من نوعه بينهما. لا معلومات مؤكّدة عمّا سيجري في هذا اللقاء أو عن المفاجآت التي قد تحدُث، وهل سيفرض السوداني شروطه على الجانب الأميركي، كما يأمل بعض المتحمّسين، أو أنّ الأكثر واقعية هو العكس: سيجلس السوداني ليتلقّى تعليمات من الجانب الأميركي وتحذيرات؟ الشيء الذي يمكن أن نثق به أن رئيس الوزراء مهتمّ جداً بهذه الزيارة، ويعتقد بأهميتها، وهو اهتمام لا يشاركه إياه ربما إلا بعض قيادات كتلته التي خرج منها (دولة القانون) بحسب تصريحات نقلتها صحيفة العربي الجديد قبل أيام. وإن خرجنا إلى الدائرة السياسية الشيعيّة الأوسع (الإطار التنسيقي) فلا توجد إعلانات متحمّسة. وقد يدّعي بعضُهم أنّه غير معنيّ بالصلة مع الأميركيين، ويتمنّى أن تنقطع في أقرب فرصة، ولكن الوقائع على الأرض لا تعزّز هذه الادعاءات، فأميركا ما زالت الراعية والمظلّة الحامية للنظام السياسي في العراق، ولوارداته النفطية، وما زال العراق يعتمد على غطائها الجوي، وجهدها الاستخباراتي في محاربة فلول الجماعات الإرهابية.
أعتبرت شخصيات كثيرة منضوية تحت تحالف الإطار التنسيقي، الحاكم حالياً، زيارة رئيس الوزراء السابق، مصطفى الكاظمي، إلى الولايات المتّحدة، في منتصف 2021، دعماً له ولتوجّهه السياسي الذي يوصف بأنه قريب من المحور الأميركي وبعيد عن المحور الإيراني، وأنطلى هذا التصوّر حتى على داعمي الكاظمي ومؤيديه في وقتها، لكن الحقيقة أنّ أميركا داعمة للنظام السياسي العراقي ما بعد 2003، بغضّ النظر عمّن يجلس في كابينة مجلس الوزراء. التفصيل المهم في دعم أميركا مدى استجابة من يشغل هذا المنصب الحسّاس لمتطلبات منصبه، ضمن الظروف الواقعية للعراق، وإمكاناته وقدراته، ودوره في منطقة هي الأكثر سخونة في العالم منذ سنوات.
سيذهب السوداني، على الأغلب، للقاء بايدن، وهناك في أميركا معارضون سياسيون عراقيون يأملون منذ سنواتٍ أن تتعامل معهم واشنطن بجدّية مشابهة للتي فعلتها إدارة جورج دبليو بوش، عشيّة غزو العراق، وأن تحملهم على دبّاباتها وحاملات طائراتها ليكونوا الطبقة السياسية البديلة عن النظام الحالي، متناسين أنّ الظروف التي صنعت غزو العراق في 2003 كانت خاصّة، وكان الغزوان المترادفان لأفغانستان ثم العراق محموليْن على زخم عاطفي صنعته أحداث 11 سبتمبر (2001)، كما أنّ الإدارات الجمهورية والديمقراطية المتعاقبة كانت تنتهج أساليب مختلفة ربما، في التعامل مع العراق، غير أنّها كانت متفقة على ما يبدو في جملة أشياء، لعل من أهمها دعم استقرار النظام السياسي في العراق، رغم كلّ المشكلات التي يغطس فيها هذا النظام، ويصنعها في أحيان كثيرة.
لقد راقبت الولايات المتّحدة كيف أنّ الجمهور العراقي نزع ولاءه للطبقة السياسية الحاكمة في تظاهرات أكتوبر/ تشرين الأول 2019، وكيف أنّ مرجعية النجف نفسها غسلت يديها من تأييد هذا النظام، ولكن واشنطن بقيت داعمة للنظام، لأسباب منطقية منها: عدم تبلور البديل السياسي، والخشية من أنّ دعم المؤيدين من العراقيين لإسقاط النظام السياسي سيؤدي إلى فتح البابِ أمام فوضى لا يعرف أحد إلى أين يمكن أن تودي. تعرف الولايات المتّحدة أنّ النظام السياسي الحالي واقع تحت سيطرة الفصائل المسلّحة، والتي هي في غالبيتها تتبع الأوامر الايرانية، ولكنها لا ترى مشكلة كبيرة في هذا الأمر. فلأول مرّة منذ سنوات هناك استقرار شبه تام للأمن في العراق، وفق المقاييس الأميركية، وليست العراقية الداخلية، وبالإمكان غضّ الطرف عن الخروقات الكثيرة في ملفّ حقوق الإنسان.
مشكلة واشنطن هي في ضبط نشاط هذه الفصائل، وألّا تتمادى خارج الأدوار المتوقّعة منها. وحين توجّه ضرباتٍ عقابية فهي تعلم أنّ الفاعل السياسي العراقي يعرف من هو المذنب، وأنّه لن يوجّه اللوم إلى أميركا، وإنما لمن يخرق حدود "اللعبة". لذا، يمكن أن يبيع رئيس الوزراء العراقي للفصائل كلاماً عن طلب جدولة لانسحاب القوات الأميركية من العراق، وغير ذلك من مطالب "غير واقعية" حاليّاً، ولكن هذا لن يُؤثّر على العلاقة الاستراتيجية العميقة بين الولايات المتّحدة والنظام السياسي العراقي، التي تستفيد الفصائل المسلّحة من منافعها.